الأخبار

شيوخ موريتانيا يراسلون البرلمان الإفريقي ويتهمون الرئيس (تفاصيل)

بعثت لجنة الأزمة المشكلة من أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني برسالة لرئيس البرلمان الإفريقي روجر اندونغو دانغ، وذلك بهدف إطلاعه “على القلق والانشغال الكبير” الذي تشعر به غرفتهم، كما يشعر به بشكل عام، معظم البرلمانيين والديمقراطيين، وذلك إزاء ما وصفوه بـ”مخاطر انعدام الاستقرار السياسي والمؤسسي الذي قد ينجم عن إصرار الرئيس الموريتاني على المساس على نحو مكشوف وفاضح، بالتوازن بين المؤسسات وبسلامة وحصانة دستور الجمهورية الإسلامية الموريتاني الذي يفترض أن يكون هو ضامنه الأول” وفق ما جاء في الرسالة التي جاءت كالتالي :

إلى صاحب السيادة
رئيس البرلمان الإفريقي، روجر اندونغو دانغ / الموقر
باسم مجموعة تتكون من أكثر من أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني، فإن لجنتنا تتشرف بأن ترفع إليكم هذه الرسالة الرامية إلى إطلاعكم على القلق والانشغال الكبير الذي تشعر به غرفتنا، كما يشعر به بشكل عام، معظم البرلمانيين والديمقراطيين في بلادنا إزاء مخاطر انعدام الاستقرار السياسي والمؤسسي الذي قد ينجم عن إصرار رئيس الجمهورية، رئيس الدولة، السيد محمد ولد عبد العزيز على المساس على نحو مكشوف وفاضح، بالتوازن بين المؤسسات وبسلامة وحصانة دستورنا الذي يفترض أن يكون هو ضامنه الأول.

ففي شهر مايو 2016، وخلال خطاب ألقاه في مدينة النعمة، في داخل البلاد، أعلن رئيس الجمهورية نيته إجراء بعض “الإصلاحات” التي يفترض أن تخرج البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها إثر انقطاع الحوار بين الأغلبية الرئاسية والمعارضة الديمقراطية منذ الانتخابات العامة السابقة التي نظمت في سنة 2013. ومن بين الإجراءات التي أعلنها بشكل أحادي، دون تشاور مع أغلبيته البرلمانية ذاتها التي تنتمي إليها الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس شيوخنا، أورد رئيس الدولة إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله ب”مجالس جهوية”.

ودون أن يقوم بأي نقاش مع أي كان، لا في الأغلبية ولا في المعارضة الديمقراطية، عمد رئيس الجمهورية إلى فرض إجازة رغبته الأحادية بواسطة المشاركين في “حوار” تم عقده في شهر أكتوبر 2016 بين أهم مؤيدي الرئيس داخل الأغلبية وجزء ضئيل من المعارضة تم انتقاؤه وفرزه على المقاس، بينما استبعد من “المناقشات” الأعضاء الأكثر تمثيلا للمعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني.

وبعد اتخاذ هذا القرار، كان من المتعين طبعا الشروع في مراجعة الدستور وفق شروط الأصل والشكل المنصوص عليها في الدستور نفسه.

إن دستور بلادنا، على غرار عدد من الدساتير المنبثقة من التقليد الدستوري الفرنسي، ينص على مسطرة خاصة في مجال مراجعة الدستور، كرسها في بابه الحادي عشر (“حول مراجعة الدستور”) نوردها لكم هنا بنصها:

المادة 99: “لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (2/3) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (2/3) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء..”

المادة 100: “تعتبر مراجعة الدستور نهائية إذا نالت الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الاستفتاء”.

المادة 101: “لا يقدم مشروع مراجعة للاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر؛ وفي هذه الحالة، لا يصادق على مشروع المراجعة ما لم يحصل على أغلبية ثلاثة أخماس (3/5) الأصوات المعبر عنها. ويكون مكتب المؤتمر هو مكتب الجمعية الوطنية”.

وعلى أساس هذه الأحكام والمقتضيات الواضحة جدا في الباب الحادي عشر من الدستور، وطبقا للممارسة السابقة في إجراء الاستفتاءات في موريتانيا، قرر رئيس الدولة أن يقوم بالمراجعة الدستورية التي يرغب فيها. وهكذا قام باستدعاء دورة طارئة للبرلمان بغية إطلاق المسطرة من خلالها، وذلك بتاريخ 22 فبراير 2017. وأحيل مشروع المراجعة أولا إلى الغرفة الأولى، الجمعية الوطنية، التي قام أعضاؤها، النواب، بإقرار المشروع المذكور فعلا بأغلبية كبيرة وذلك بتاريخ 17 مارس. وبعد ذلك، أحيل مشروع التعديل إلى مجلس الشيوخ. وبتلك المناسبة، أعاد السيد ممادو جلو باتيا، وزير الدفاع الذي تولى تقديم المشروع أمام البرلمان، إلى الذكر بعبارات واضحة ودقيقةالمسطرة التي يفرضها الدستور والتي تبرر أن تقوم الحكومة، على لسانه، بطلب أصوات 2/3 أعضاء مجلس الشيوخ (والذين هم من الأغلبية) من أجل التمكن من إكمال المسطرة والسماح بذلك، إما بدعوة الشعب بواسطة الاستفتاء وإما بإحالة مشروع التعديل للمصادقة النهائية عليه من طرف المؤتمر (اجتماع غرفتي البرلمان معا). بيد أن مفاجئة ضخمة كانت في انتظار السلطة التنفيذية: حيث رفض مجلس الشيوخ، بأغلبية 58% مشروع المراجعة الدستورية وذلك دون وجود أي طعن أو اعتراض لا في الأصل ولا في الشكل من أي طرف كان. ولذلك وفي جميع الحالات، وبناء على نصوص الدستور الصريحة، فإن مشروع التعديل المذكور لم يعد بالإمكان الاستمرار فيه، وكان يجب إذاً التخلي عنه بكل بساطة. وبينما كان الجميع يعرب عن ارتياحه لهذا الأداء الديمقراطي الجميل في بلد إفريقي وعربي لا تشيع فيه مثل تلك الممارسة، إذا بمعسكر الرئيس، بعد أن أصبح كالمتمترس، يقرر فجأة تجاوز هذا الشرط والإلزام الدستوري، من خلال إطلاقه مسطرة مخالفة تماما على نحو صريح لمقتضيات وأحكام الدستور القاطع، وغير مسبوقة في التاريخ الدستوري للبلاد.

الواقع أنه في الباب الثاني من الدستور، المتعلق بالسلطة التنفيذية، تنص المادة: 38 على أن “لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية”. إن هذا النص ذا الطابع العام لا يتعلق كما هو جلي إلا بالحالة التي لا يترتب فيها على الاستفتاء مراجعة دستورية، تلك المراجعة التي تمت معالجتها خصيصا، كما رأينا من قبل، في الباب الحادي عشر المخصص لها (“حول مراجعة الدستور”). إن الاستفتاء المذكور في المادة 38 هو إذاُ استفتاء خارج عن نطاق تعديل الدستور أو مراجعته، إنه استفتاء لا يمكن أن يتعلق موضوعه إلا بمجال لا يخضع لمراجعة أو تعديل الدستور، أي مجال تشريعي يكون عادة خارجا عن صلاحيات السلطة التنفيذية (المادة 57).

وهكذا، فإن دستور بلادنا، كما هي الحال في بلدان كثيرة، يؤسس لنوعين من الاستفتاءات حسب موضوع أو غرض كل استفتاء: استفتاء عادي أو تشريعي (المادة: 38) واستفتاء مراجعة دستورية أو استفتاء تأسيسي (المواد 99، 100 و101). غير أن رئيس السلطة التنفيذي وجد على ما يبدو منفذا يسمح له بالالتفاف على إرادة مجلس الشيوخ وأن يفرض عليه وعلى الأمة الموريتانية بأكملها نمطا جديدا لفرض هيمنته الكاملة، بوصفه “قائد المركب الوحيد” في مجال تأويل وتطبيق الدستور. فمن الآن فصاعدا، وحسب مزاجه وحده، يمكنه أن يراجع ويعدل كل ما يريده وبالشروط والطريقة التي يريد، مجموع أحكام الدستور وعلى الخصوص تلك المنصوصة في المادة 99 (التي يمكن اعتبارها الآن ملقاة في رف المنسيات الدستورية غير المفيدة)، التي تنص على أنه “لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة”. إن العودة إلى المادة 38 من أجل مراجعة الدستور ليس لها من هدف سوى القفز علىتلك الأحكام الأساسية بالنسبة لوجودنا كأمة ديمقراطية، بإعطاء رئيس الجمهورية سلطة غير مقيدة وغير قابلة للتقييد، في التصرف حسب هواه ورغبته في دستور جمهوريتنا. ذلكم هو الجوهر الفعلي للنقاش الدستوري الحالي: أن نعطي أو لا نعطي لرئيس الجمهورية مفتاح تفكيك وتغيير المواد المحصنة، وخصوصا المادة المتعلقة بعدد المأموريات. وما يزال الجميع في موريتانيا يستحضرون المحاولات البائسة لبعض الوزراء الأكثر ظهورا في الحكومة، وهم يدعون ببساطة إلى إلغاء تقييد عدد مأموريات رئيس الجمهورية في مأموريتين (حيث تعتبر المأمورية الجارية هي الأخيرة وتنتهي في سنة 2019). ومهما تكن النية الحقيقية أو المفترضة لرئيس الدولة بخصوص هذه المسألة، فإن مما لا مراء فيه أن النتيجة الملموسة لمثل هذا التأويل للمادة 38 هي أن يسمح فعلا بالمساس بإحدى أهم ركائز آلية الحماية والضمانة ضد مخاطر وانحرافات تأبيد الأنظمة الاستبدادية لأولئك “الرجال الملهمين” المزعومين كما لا نزال نرى كثيرا في قارتنا.

إن رفض المساس بهذا المكسب المهم لديمقراطيتنا الناشئة والتي لم يستو عودها بعد هو السبب وراء حرصنا وإصرارنا على منع اقتراف جريمة الخيانة والإخلال بالوظيفة من قبل المدافعين عن التأويل التعسفي للمادة 38. إن موقفنا المبدئي هذا يعتبر ذا أهمية تاريخية بالغة ويكاد يكون غير مسبوق في التاريخ الدستوري لموريتانيا. وقد حصلنا بفضله على تفهم واسع النطاق من طرف الرأي العام الوطني، سواء من الأغلبية التي ما زلنا نعتبر أنفسنا جزءا منها أو من المعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني. كما كلفنا أيضا وللأسف التعرض لكل أنواع المتاعب وممارسات الانتقام والعقاب، البائسة أحيانا، والمخالفة في جميع الحالات للنظام الجمهوري، ولمبدأ الفصل بين السلطات والدفاع عن دولة القانون. وقد تفاوتت هذه الممارسات من تدخل الحرس لمنع بعض الشيوخ بالقوة من الدخول إلى قاعة مجلس الغرفة وصولا إلى حجز جوازات سفر بعض الشيوخ لمنعهم من السفر …الخ. غير أن الأخطر من ذلك كله هو أن رئيس الدولة لا يرفض فقط أي جهد للتوافق طبق نصوص ومقتضيات الدستور نفسه، بل يستمر في نوع من الهروب إلى الأمام من خلال استدعائه، بطريقة غير قانونية تماما، لهيئة الناخبين لإجراء الاستفتاء في 15 يوليو 2017، وذلك في جو تطبعه التوترات والانقسامات العميقة حول هذه القضية، مخالفا بذلك ليس فقط جزءا لا يستهان به من أغلبيته وإنما أيضا المعارضة الديمقراطية بكافة أطيافها.

واليوم، فإن عدم الاستقرار يهدد الدولة بنشوب أزمة قد تفضي إلى نتائج بالغة الخطورة، سواء بالنسبة لبلادنا أو لمجموع دول المنطقة المعرضة لكافة أنواع الأخطار. إن الديمقراطية التعددية تواجه اليوم خطرا حقيقيا، يهدد سلم وأمن الجميع، بينما ترتفع الأصوات من كل جانب مطالبة بحوار صادق بين كافة الفاعلين السياسيين، حوار يكون بناء ومحترما للدستور ومبادئ الديمقراطية المعروفة عالميا.

واعترافا منا باهتمامكم وحرصكم على المساعدة عالميا من أجل تطوير واحترام القيم المشتركة، التي أصبحت ملكا للبشرية جمعاء، واعترافا بتشبثكم بالتضامن الدولي ووحدة وتآلف أعضاء مجالس الشيوخ في دولنا جميعا، فإننا واثقون من حسن نظركم وتفهمكم الكريم فيما يتعلق بنضالنا من أجل ديمقراطية تعددية يكون أحد ركائزها الاحترام التام لصلاحيات واختصاصات كل واحدة من المؤسسات المكونة لدولة قانون قوية ومستقرة.

رئيس لجنة المتابعة
الشيخ سيدي حننا
التوزيع:
اتحاد البرلمانات
البرلمان العربي
الجمعية البرلمانية الفرانكفونية
البرلمان الأوروبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى