مقالات

صيحة مشفق: التعليم أولا

حتى وقت قريب كان مجالنا الجغرافي والاجتماعي بيئة صالحة للعلم والمعرفة فازدهرت الثقافة ازدهارا رائعا رغم قساوة الظروف وشح الموارد ونقص الإمكانيات، حتى وصل إشعاعنا الحضاري بلاد المغرب ومصر والحرمين الشريفين وأقصى تخوم الشام… لكن لا يخفى على أحد أن السنوات الأخيرة كانت قاسية جدا بسبب الجدب الثقافي والنضوب المعرفي من جراء عزوف شبابنا عن العلوم والمعارف، وقد تهاوت تباعا بعض القلاع الحصينة التي شيدها أولئك الأجداد الميامين فانكمشنا وانكشفنا تماما.

ومنذ ذلك الحين يلاحظ مدى التيه والتخبط الذي نعيشه وخاصة إثر اختفاء المرجعية والقدوة الحسنة في أهلنا وبلدتنا مع الأسف الشديد، وأصبح همنا الوحيد هو الإقبال على جمع المال وصرنا مضرب الأمثال في هذا المجال.

من الآن ليس من المقبول أن نكون عرضة لتطاول الأقزام وسخرية الأقوام فهذا الواقع المتردي لا بد من مواجهته بعزم وحزم بإطلاق نهضة علمية جديدة تعيد لنا مجدنا وتؤمن مستقبلنا الثقافي وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا بتضافر الجهود وإبرام العهود على مواصلة السير حتى نهاية الطريق.

وأعتقد أننا نملك كل المقومات والإمكانات إن صدقت النيات، ولعل أهم ما يجب البدء به هو تشجيع طلبة العلم بالجوائز وإظهار التقدير اللائق والاحترام الفائق لهم وإشاعة ثقافة المطالعة واستصحاب الكتب في كل مكان والعناية بالقرآن واستثمار الوقت المتاح في التحصيل العلمي في حدود الممكن مع نبذ الجهل وإظهار مساوئه وأضراره وإلزامية تعليم الأطفال..

ومن ذلك أيضا احتضان طاقاتنا الشابة التي تخرجت من الجامعات والمعاهد العريقة والاستفادة من الجميع في قيام نهضة شاملة، ولا أقل من إنشاء محظرة علمية نموذجية في المرحلة الأولى تكون نواة لتدرس كل العلوم الشرعية والعربية، وتستقبل الطلاب من جميع الجهات فضلا عن أبناء المقاطعة.

إن الخيرين من أهل المال أصحاب الأيادي البيضاء مطالبون بالمساهمة الفعالة في إرساء هذه النهضة العلمية بدعمهم المادي وسخائهم وبذلهم وكذلك كل الكفاءات والقوى الحية، وأعتقد أنه عندما نعلن التوبة من غي الجهل ونتصالح مع العلم سوف تعود لنا بركتنا، فالله سبحانه وتعالى يستحي أن ينزع البركة من موضع قد جعلها فيه، وعندها نتبوأ المكانة المرموقة بين الأمم ونسهم بجدارة في بناء وطننا ونهوض بأمتنا…

اللهم اجعلنا خير خلف لخير سلف، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

الب معلوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى