السابع عشر: تجاهلت عن عمد وسبق إصرار – وأنت الباحث المفترض فيك التحلى بالصق والنزاهة وكل متطلبات الأمانة العلمية الواجب عليك مراعاتها فى كافة مراحل بحثك وتحقيقك لنسب بنى معقل- مايُكِنُه ويُضْمِرُه ابن خلدون من كراهية وحقد لهم ، بل اسقطت ذلك عمدا من حساباتك ولم تعتبره داعيا خطيرا وقويا لماذهب اليه من انكار لنسب هؤلاء الأشراف دون أدلة قوية متأتية من مراجِعَ لعلماء النسب اوالتاريخ رَجَعَ اليها وأخذ منها تلك المعلومات التى جَزمتَ أنت بصحتها وعملتَ جاهدا لتأكيدها مع اعترافك بوجود هذه الأحقاد التى ضَمَنتَها فى كتابك بطريقة غير نزيهة تجعل القارئ يتصور لأول وهلة أنَ لصوصا من بنى معقل قدخرجوا على ابن خلدون العالم المؤرخ الأعزل وسلبوه متاعه وثيابه فى الوقت الذى تعلم فيه علم اليقين انه لم يكن هو المستهدف وإنما المستهدف هوجيش السلطان المتجه الى مدينة فاس والذى استهدفه هوغريمه ابن حمو الذى يساعده جناح من بنى معقل اوعز اليه باعتراض جيش السلطنة لئلا ترجح كفة خصومه.
وقد تَكَتَّمْتَ أنت عن قصد على توضيح ذلك ، بل حرصت كُلَّ الحرص لحاجة فى نفسكَ على بقائه طي الكتمان.
وقد شاءت الأقدار ان يصطحب ابن خلدون هذا الجيش الذى تمت الإغارة عليه ولم يكن على الإطلاق مُستهدَفا فى شخصه من قبل من اعترضوا سبيله وإنما كان المستهدف كما تعلم الجيش الذى اصطحبه.
وبدلامن توضيح القصة بكاملها لتنجليَ الأمور كَتبتَ فى الهامش الثانى من الصفحة 25 مايلى: ( اعترض بعض قبائل معقل هؤلاء طريق ابن خلدون فى رحلته الى فاس ، وسلبوه ونزعوا ثوبه، ولم يخلص منهم الا بمعجزة، وقد تركت هذه الحادثة اثرا سيئا فى نفسه وظل يحمل حقدا دفينا على عرب المعقل ومن لف لفهم !).
ومع استغرابنا للطريقة التى تناولتَ بها الموضوع ممايوحى للقارئ تلصص بنى معقل ، الا أن الإستغراب الأهم هو جزمك بصحة كل ما خَمَّنَه ابن خلدون تخمينا واهيا لاتحقيقا جازما عن نسب بنى معقل وإسقاطك من دائرة الحسبان فى غفلة واضحة لباحث مثلك هذا الحقد وهذه العداوة والخصومة التى بَدَأتَ كلامك عن ابن خلدون بها.
والقصة التى فضلت عدم توضيحها مبسوطة بالكامل فى الجزء السابع من كتاب العبر لابن خلون نفسه الصفحة 545 و546 حيث يقول:( …وَبَذْرَقَ لى بعضُهم الى حِلة اولاد عريف : امراء سُوَيْد؛ ثم لحق بنا بعد أيام ، على بن حسون فى عسكره ، وارتحلنا جميعا الى المغرب على طريق الصحراء، وكان ابوحمو قد رجع بعد مهلك السلطان من مكان انتباذه بالقفر فى تيكورارين الى تلمسان، فاستولى عليها وعلى سائر اعماله، فأوعز الى بنى يغمورمن شيوخ عبيد الله من المَعْقِل ان يعترضونا بحدود بلادهم من رأس العين مخرج وادى زافا فاعترضونا هناك، فنجا من نجا منا على خيولهم الى جبل دَبْدُو، وانتهبوا جميع ماكان معنا وارجلوا الكثير من الفرسان وكنتُ فيهم ، وبقيتُ يومين فى قفره،ضاحيا عاريا الى ان خلصتُ الى العمران ، ولحقت بأصحابي بجبل دَبْدُو..).
يتضح من هذه القصة ان ابن خلدون اصبح عدوا لدودا وخصما عنيدا لبنى معقل بعد هذه الغارة الموجة أصلا الى جيش ابن حسون والذى تأذى منها هو صُدْفةً بحيث قضى يومين لايجد مايستربه سوءته فنشأ عن ذلك كره وبغض وحقد لجميع بنى معقل الامر الذى جعل شهادته فى حقهم مردودة شرعا، لأن الخصم ولوا كان مبرزا لايُمَكَّنُ من اداء الشهادة ضد خصمه ومن باب اولى اصدار احكام ضده.
وعليه كان ينبغى للدكتور الباحث عن الحقيقة ان لاتفوت عليه هذه المسألة
وأن يأخذ تلك العداوة او الخصومة التى تحدث عنها حين مناقشته لماكتبه ابن خلدون بعين الإعتبار.
الثامن عشر: اتحدى ثم أتحدى ثم أتحدى كل من طعن فى نسب بنى معقل بصفة عامة او بنى حسان بصفة خاصة اعتمادا على ماقاله العلامة ابن خلدون ان يقدم مرجعا من اقوال العلماء او المؤرخين اوالنسابين قد استند عليه ابن خلدون فى تشكيكه فى صحة جعفرية بنى معقل ونسبتهم لبنى الحرث سواء كان ذلك المرجع كتابيا اوشفاهيا سابقا لفترة ابن خلون او معاصرا له.
إذ لم يعضد ابن خلدون استنتاجاته الواهية بأى دليل يسندها ويدعم صحتها، وإنما بناها على افتراضات اوهن من نسيج العنكبوت كذبها هو نفسه حين تطرقه لبنى جعفر بصفة خاصة وبنى هاشم بصفة عامة كما سنرى لاحقا.
التاسع عشر: إن ابن خلدون رغم تخبطه فى نسب بنى معقل ،الا أنه للأمانة كان اكثر أمانة ممن جاؤوا بعده وجزموا -استنادا على استنتاجاته – بنفى بنى معقل عن نسب بنى جعفر، إذ انه لم يجزم قط بنفيهم عن نسبهم الهاشمى المتمسكين به منذ تواجدهم فى الصعيد المصرى، والذى يشهد لهم به جمع غفير من العلماء المتواجدين فى الاقطار التى سكنونها وفى حقب متفاوتة يصعب عمليا تواطؤهم على الكذب والتزويرى والتلفيق كمابيناه سابقا ،
وإنما شكك – دون تقديم دليل مادى على تشكيكه – فى صحته ، وشتان بين الجزم بالنفي القاطع المستند على أدلة قطعية الثبوت وبين التشكيك المبنى على الظن والتخمين بدل الجزم واليقين.
العشرون: إن العلامة ابن خلدون لم يعايش دخول بنى معقل صعيد مصر وانتقالهم الى شمال افريقيا ليكون شاهد عيان اخذ نسبهم مباشرة من افواه الداخلين منهم الى هذه الأقطار او من بنى هلال اوبنى سليم الداخلين معهم اومن اشخاص آخرين معاصرين لدخولهم، فهو رحمه الله متأخر عن هذا التاريخ بمايزيد على اربعة قرون ، ممّا يجعل كلامه عنهم المخالف لتمسكهم بنسبهم بحاجة الى أدلة تثبته خارج استنتاجاته التخمينية من اقوال اوافعال القوم او من كتابات العلماء اوالنسابة اوالمؤرخين المعاصرين لهم الذين عايشوا دخولهم شمال افريقيا، وهذا ما افتقر هذا العالم المؤرخ العملاق الى تقديمه، بل إنه بنى كل تصوره عنهم على فرضيتين كل واحدة منهما اوهن من بيت العنكبوت لافتقارهما معا الى الأدلة التى تثبتهما:
1- كون الطالبيين والهاشميين لم يكنوا اهل بادية ونجعة ، حيث يقول:( وأما انسابهم عند الجمهور فخفية ومجهولة ونسابةالعرب من هلال يعدونهم من بطون هلال وهو غير صحيح ، وهم يزعمون ان نسبهم فى اهل البيت الى جعفر بن ابى طالب وليس ذلك ايضا بصحيح .لأن الطالبيين والهاشميين لم يكونوا اهل بادية ونجعة).
2- قوله : ( والصحيح والله اعلم من امرهم انهم فى عرب اليمن ، فإن فيهم بطنين يسمى كل واحد منهما بالمِعْقَلِ . ذكرهما ابن الكلبى وغيره فأحدهما من قضاعة بن مالك بن حمير … والآخر من بنى الحرث بن كعب … والأنسب ان يكونوا من هذا البطن الذى من مُذحِج، كان اسمه ربيعة، وقد عده الإخبايون فى بطون هلال الداخلين الى افريقية لأن مواطن بنى الحرث بن كعب قريب من البحرين حيث كان هؤلاء العرب مع القرامطة قبل دخولهم الى افريقية.ويؤيده أن ابن سعيد لما ذكر مذحج وأنهم بجهات الجبال من اليمن ، وذكر من بطونهم زبيد ومراد ثم قال: وبإفريقية منهم فرقة وبرية ترتحل وتنزل ، وهؤلاء الذين ذكر إنما هم المعقل الذين هم بإفريقية، وهم فرقة من هؤلاء الذين بالمغرب الأقصى).
هذه كلها هي أدلة ابن خلدون على يمنية بنى معقل وبقراءة متأنية محايدة يتضح منها عدم وجود مصدر كتابي اوشفهي استقى منه ابن خلدون ماذهب اليه من استنتاجات ، وان كل اقواله مبنية على تخمينات عارية من اية ادلة تسندها .
وقد ترتب على هذه الحقيقة ان رد عليها العلامة المحقق احمد بن خالد الناصرى فى كتابه طلعة المشترى فى تحقيق النسب الجعفرى ففندها فقرة فقرة، وقد ضمنا رده ذاك فى كتابنا ( تاريخ الهجرة العربية من اليمن والحجاز الى صحراء الملثمين) فالنضرب الصفح عنه الآن لحين ظهوره فى كتابنا.
ومع ذلك سنبين هنا ضعف أدلة ابن خلدون من جهة وتناقضها وتهافتها من جهة اخرى.
أما فرضيته الأولى التى ذكرها والمتمثلة فى ان الطالبيين والهاشميين لم يكونوا اهل بادية ونجعة فقد كفانا هو نفسه مؤونة الرد عليها عند ماذكر ان مجموعة من بنى جعفر الطيار تتواجد بصعيد مصر تجاور قبائل جهينة.
وأما الفرضية الثانية والتى اشبعناها ردا فى كتابنا المنوه عنه اعلاه لاتصلح هي الاخرى لا من حيث الشرع ولامن حيث المنطق دليلا قاطعا تُطرَحُ به اقوال جمع غفير من المسلمين مليء بالعلماء والاولياء ذكر هو نفسه أنهم فى زمنه من اوفر قبائل العرب وانهم متمسكون بنسبهم الجعفرى الهاشمى القرشى.
فمجرد ذكر ابن الكلبى ان فى اليمن طائفتين كل واحدة منهما تتسمى بمعقل دون نصه اوتطرقه اوحتى إشارته من قريب اوبعيد على أن واحدة منهما دخلت اودخل بعض اسرها الى المغرب ومن باب اولى إضافته بنى معقل المتواجدين فى المغرب الى اى من هاتين الطائفتين اليمنيتين الكريمتين ليس فيه دليل قاطع ولاحتى قرينة يستأنس بها تنفى نسب بنى معقل الجعفرى الهاشمى وتلصقه بالنسب اليمنى. والشيء نفسه ينطبق على مانسبه ابن خلدون لابن سعيد عند تطرقه لبطون مُذْحَج فى جبال اليمن وزعمه وجود فرقة منهم بإفريقية لم يذكر اسمها اوذكر زعمائها ولا تاريخ دخولها ولا كيفيته ولا حتى الأماكن التى تتواجد بها من افريقيا ولم يشر من قريب اوبعيد على انها هى المعقل المنتسبون لآل جعفر اوطائفة من طوائفهم ، فأين الدليل من ذلك كله على يمنية بنى معقل الجعفريين؟
فلوا كان ابن سعيد المزعوم يقصد هؤلاء الأشراف الذين يسيطرون على المغرب الأقصى لذكر ذلك بوضح لإنتشار اخبارهم ووضوح منازلهم وكثرة عشائرهم وافخاذهم فى المغرب الأقصى.
اما قول العلامة ابن خلدون 🙁 وهم فرقة من هؤلاء الذين فى المغرب الأقصى) قول غير نزيه وفيه تدليس وتلبيس واضح ويُحمِّلُ كلام الرجل مالم يحتمله ويفسره تفسيرا تحكميا واعتباطيا من جهة ومردودا على صاحبه من جهة اخرى ، اذلم يقل به ابن سعيد المذكور طبقا لماهو مدون اعلاه، وإنما هوتفسير غير موفق مخالف للمنطق ومجرى الأمور العادية ، لأن بنى معقل لم يبق منهم حسب زعمه هو فى افريقيا إلا اسرة واحدة اندمجت كماقال فى بنى سليم وصارت وزراء لهم، أما بقيتهم فانحازت الى بنى هلال ونزلت جنوب مواطنهم ونموا نموا – طبقا لماذكره هو – لاكفاء له مما يستحيل معه ان يجهلهم ابن سعيد فى الوقت الذى َيتَعرَّفُ فيه على قلة منهم مجهولة الإسم والزمان والمكان بقيت حسب زعمه فى افريقية وينسبها الى مذحج ويترك عمادهم فى المغرب الأقصى دون ذكره ، هذا مخالف لماجرت به العادة من جهة وليس دليلا على نفي بنى معقل عن نسبهم الهاشمي وإضافتهم الى عرب اليمن
هذا ما يأباه العقل والمنطق ومجرى الامور العادية.
3- لوا افترضنا جدلا ان منازل بنى الحرث ابن كعب كانت قريبة من منازل بنى هلال بن عامر فى البحرين
هل يكفى هذا التقارب لانتساب بنى معقل إليهم دون سند قوى خارج فرضية هذا الجوار؟
وهل يكفى ذلك لإثبات نزوح فرقة منهم – وهم على ماهم عليه آنذاك من القوة والمنعة ومنهم ملوك بنى المدان اخوال الخلفاء من بنى العباس- مع بنى هلا المغربين والمهجرين قصرا رغم انوفهم وإرادتهم؟ هذا يكاد يكون مستحيلا، لأن اي هجرة لابد وأن يكون لها من الأسباب مايتسق مع المنطق ويركن اليه العقل ويستسيغه، وهذا مخالف لمنطق الأحداث ولايقبله العقل ولايستسيغه.
أما هجرة بنى جعفر من الحجاز فاسبابها واضحة وهى الهضيمة التى لحقتهم بسبب ظلم ذوى القربي.
وإذا افترضنا جدلا أنهم انضموا الى بنى هلال فى البحرين واندمجوا معهم فى الصعيد حتى خفيت اخبارهم عن ابن خلدون نفسه الذى عَدَّدَ احياء بنى هلال فى الصعيد دون ذكره لفصيل منهم اسمه بنو معقل من صميمهم او من احلافهم ولم يُلْفِتُوا طيلة هذه المدة نظربنى سليم ، فلماذا التنافس المفاجئ عليهم عند عبورهم نهر النيل الى افريقية؟
حيث ذكر هو ان بنى سليم اعترضوهم وتحيزوا لبنى هلال إلَّا اسرة واحدة منهم بقيت مع بنى سليم واندمجت فيهم حتى اسندوا اليها منصب الوزارة واستئلاف القبائل العربية.
لوا كان بنوا معقل قد انضموا الى بنى هلال فى البحرين ولم يعترضهم بنو سليم آنذاك ولم يعترضوهم بعد ذلك فى الصعيد فإنه من غير المنطق ان يعترضوهم فى افريقية ويتنافسوا مع الهلاليين عليهم فاجأة دون مبرر، لأنهم حينذاك يفترض فيهم انهم اصبحوا جزءً لايتجزأ من بنى هلال لطول اندماجهم فيهم.
لكن هذا التنافس دليل قاطع على انهم حديثى العهد بكلا المجموعتين الهلالية والسليمية.
كما انه يكشف سر القوة الخفية التى تتنافس عليها القوتان الأكثر فتكا وقوة.
فهم آنذك قليلون وليست لديهم قوة عسكرية اوسياسية او اقتصادية ولاحتى بشرية يستفيد منها من ينضمون اليه ، لكنهم يتمتعون بقوة معنوية هى التى جعلت القبيلتين تتنافسان عليهما ، إنها باختصارتكمن فى شرفهم ونسبهم الهاشمى القرشى وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
فهذه القوة اعظم عند المسلمين من أي قوة اخرى وهى التى كانت تقف وراء التفاف العديد من الاسر والأفراد اليهم حتى اضحوا إبان تأليف ابن خلدون لكتابه العبر اقوى واوفر قوة عربية فى المغرب الاقصى كما صرح بذلك ابن خلدون نفسه ، وهى كذلك القوة التى مكنت اسرة واحدة منهم بقيت مع بنى سليم من استئلاف القبائل العربية التى كانت تتناحر ، وهى ذاتها التى بوأتها منصب الوزارة.
ولوا افترضنا كذلك ان بنى معقل منتحلين للنسب الهاشمى لانتحلوا الرائج منه آنذاك فى تلك المنطقة ، وهو النسب الفاطمي الذى اختزل العبيديون الشرف فيه وانكروه على سائر الطالبيين والعباسيين وحتى العلويين من غير ذرية سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
لقد لاحظنا استماتة ابن خلون فى سعيه لنفي نسب بنى معقل رغم اعترافه أنهم يتمسكون به ولم يقدم مايدعم هذا النفي مكتفيا بقوله 🙁 وليس ذلك ايضا بصحيح لأن الطالبيين والهاشميين لم يكونوا اهل بادية ونجعة ).
فهو رحمه الله لم يأخذ بأقوالهم ولا بأقوال نسابة بنى هلال ضاربا عرض الحائط بذلك كله قائلا : والأنسب ان يكونوا من هذا البطن الذى هو من ُمذْحَج دون تقديم دليل واحد قاطع على قوله ذاك الذى رآه الأنسب فى نظره.
يتواصل فى الحلقة القادمة والأخيرة إن شاء الله.
الدكتور محمد سيدى محمد المهدى.