ليلة القدر خير من ألف شهر، ومن أدركها قال موقنا: (لن تركع أمة ، نبيها الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم لغير الله)، وطلابها هم (أهل قيام الليل)، قوم شعارهم:( لو يعلم الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف)، ومطلبها:( اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).
يقول هؤلاء – الأحبة- أسفار الدنيا تقطع بسير الجوارح , لكن أسفار الآخرة يتقدمها سير القلوب .
القلب محل نظر الله عز وجل , وهو أساس قبول وتفاضل الأعمال , فالله عز وجل لا يقبل في الآخرة إلا القلب السليم، قال سبحانه ” يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” , وروي مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).
ذكر في المورد العذب المعين من آثار أعلام التابعين : ((أتى رجل الحسن فقال: إني أريد السِّنْد فأوصني، قال: حيث ما كنت فأعزَّ الله يعزك؛ فان الله تبارك وتعالى يقول : إذا علمت أن الغالب على عبدي التمسك بطاعتي ، مننت عليه بالاشتغال بي والانقطاع إلي، وصرفته عن المكاره، فقال : وما المكاره؟ قال: اللهم لا تجعلني لعبدك عبدا، ولا تجعل عيشى نكدا ))
العظماء يعرفون أن لكل مشكلة حلاً، طالما أن التواضع هو السلوك، هم بالسليقة ولدوا خطباء، جنتهم تسلق الجبال الصعاب، متفائلون بطبعهم وطالعهم، درهمهم الأخلاق، هم لا يؤمنون بالفشل أصلا ،فكيف يفشلون؟
تنكشف أخلاقهم في أوقات الشدة وعند الجزع، تواضعهم بتكبرهم على المتكبر، والْبِشْر دال على كرم أنفسهم، والعفّة عندهم جيش لا يُهزم، والفضل في ركابهم هو ما شهدت به الأعداء، يرون الكذب داء والصدق دواء، تمام الصدق في مودتهم للخل الإخبار بما تحمله العقول من نصيحة لأن الدين عندهم هو النصيحة .
حق من كتب بمسك أن يختم بعنبر: أين أنتم من لغة مات عظماءها في الكنانة،والحجاز ،والقيروان، ومأرب، وبغداد ،و الأستانة، وبدأت تندر س إلا في مزارع أندنوسيا، وانتخابات ماليزيا، وبقية المرتلين ترتيلا في مآذن و محاظر شنقيط.
لغة العظماء – كراحلة قصواء – تقول للرويبضة، وللكع بن لكع، وعبد الخميصة، وعبد الدينار والدرهم، و”كنش ” عبادة الرأي والهوى، و “تجار” الافك وخطاب الكراهية والتزلف:( والله لا تبلغوا بافككم مجدنا، ولا تطفئوا بأفواهكم نور شمسنا).
صدق المتنبي إذ يزمجر أمام الحلبيين :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم … وتأتي على قدر الكرام المكارم
وصدق إذ يتوكأ على الفروق فيحسن ذم صنوان هماالبخيل والجبان:
لولا المشقةُ سادَ الناسُ كُلَهم … الجودُ يُفقِر والإقدامُ قَتَّالُ
كذلك خلد عظمة العظماء، إذ يقول في سيف من سيوف الله:
وقفت وما في الموت شكٌّ لواقف *** كأنك في جفن الرَّدى وهو نائم
تمـر بك الأبطال كَلْمَى هزيمـةً *** ووجهك وضاحٌ ، وثغرُكَ باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى *** إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم
ويبدع في هجائه لمجهولي الهوية إذ يقول :
أماتَكمُ مِن قَبلِ مَوتِكُمُ الجَهلُ وجرَّكُمُ مِن خِفّةٍ بِكُمُ النَّمْلُ
ولَيدَ أبيِّ الطَّيِّبِ الكَلْبِ ما لَكُم فطَنتُمْ إلى الدَّعوَى وما لكمُ عَقلُ
(وليد: تصغير ولد، الدعوى: ادعاء النسب)
ولو ضربَتْكُم مَنجَنيقي وأصلُكُم قَويٌّ لهَدَّتكُمْ فكيفَ ولا أصلُ
ولو كُنتُم ممَّنْ يُدبِّرُ أمرهُ، لما صِرتُمُ نَسلَ الذي ما لهُ نَسْلُ
ويجيد الكر عليهم زئيرا :
أنا عَينُ المُسَوَّدِ الجَحْجَاحِ هيَّجَتْني كِلابُكُمْ بالنُّباحِ
(الجحجاح: السيد الكريم)
أيكُونُ الهجانُ غَيرَ هِجانٍ أمْ يكونُ الصُّراحُ غيرَ صُراحِ
(الهجان: الرجل النسيب، الصراح: خالص النسب)
جَهِلُوني وإنْ عَمَرْتُ قليلاً نَسَبتْني لهُمْ رُؤوسُ الرِّماحِ
نزل المتنبي في طرابلس سنة 336هـ وفيها اسحق بن الأعور بن إبراهيم بن كيغلغ
حاول اسحق أن يعيق المتنبي عن الرحيل، قبل أن يمدحه، لكنه ما عرف أنَّه بطلبه المديح لن ينال إلَّا الهجاء، ومما قاله المتنبي في هجاء ابن كيغلغ درر لا تباع بعقال ولا درهم:
ذو العَقلِ يَشقَى في النَّعيمِ بعقلِهِ وأخو الجَهالَةِ في الشَّقاوَةِ يَنعَمُ
والنَّاسُ قَدْ نبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ يَنسَى الذي يُولى وعَافٍ يَنْدَمُ
لا يَخْدعنَّكَ مِن عَدُوٍّ دَمعُهُ وارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ
لا يسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأذَى حتَّى يُرَاقَ على جَوَانبهِ الدَّمُ
يُؤذي القَليلُ مِنَ اللِّئامِ بطَبْعِهِ مَنْ لا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ ويَلْؤمُ
والظُّلمُ من شِيَمِ النُّفوسِ فإنْ تَجِدْ ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ
ومِن البَليَّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهْلِهِ وخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
وجُفونُهُ ما تَسْتقِرُّ كَأنَّها مطْرُوفَةٌ أو فُتَّ فيها حِصرِمُ
وإذا أشَارَ مُحَدِّثاً فكأنَّهُ قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أو عَجوزٌ تَلْطِمُ
يَقْلَى مُفارقَةَ الأكُفِّ قَذالُهُ حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمَّمُ
((يقلى: يكره، القذال: مؤخرة الرأس، والقصد من البيت يكره أن تفارق الأكف مؤخرة رأسه))
وتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً ويكونُ أكذَبَ ما يكونُ ويُقْسِمُ
والذُّلُّ يُظْهِرُ في الذَّليلِ موَدَّةً وأوَدُّ مِنهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ
ومِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفعُهُ ومِنَ الصَّداقَةِ ما يَضُرُّ ويُؤلِمُ
أرْسَلتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً صَفْرَاءُ أضْيَقُ مِنكَ مَاذا أزْعَمُ
فلَشَدَّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً ولَشَدّ ما قَرُبَتْ عَليكَ الأنْجُمُ
أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ وفعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ
محمد الشيخ ولد سيد محمد