جلست مرة مع أحد الاصدقاء الذين تستهويهم أحاديث السياسة و مطارحة الشأن العام فبادرته متسائلا : ماهي رؤيتك للاوضاع العامة -حاليا- في البلاد ..فأجابني هناك فشل في قطاعات التعليم و الصحة و البنية التحتية وغيرها..ففي التعليم يلاحظ في حالات كثيرة نقص كبير في المعلمين و الاساتذة و عدد الفصول الدراسية ..فقلت له انت تنتقد هذا دون ان تنتبه الى ان بعض ابناءنا التلاميذ كان يقطع مسافات حتى يتمكن من الوصول الى اقرب مدرسة فهؤلاء قد حلت مشكلتهم مقارنة مع واقعهم المزري السابق الذي استمر عقودا. وبخصوص الوضع في القطاع الصحي هل تعلم -يا صديقي – انك بملاحظاتك نقص بعض الخدمات او عدم توفر سرير في هذه النقطة الصحية او تلك انك لست واقعيا ؛ ففي الوقت الذي تقول ذلك تنسى ان غيرك كان يقطع الفيافي و القفار قبل ان يصل الى مستشفي صحي اما الآن فإنه يجد استشارة طبية و علاجا الى جانبه بدون أية معاناة مقارنة مع تجربته المريرة..حتى أن البعض يتندر أن أطفالنا كانوا يهربون في بعض المناطق و القري -خوفا-اذا سمعوا أو شاهدوا سيارة إسعاف لأنهم ببساطة لا يعرفونها فى حياتهم على الاطلاق . وكان العشرات يموتون بأمراض السرطان دون أن يعرف سبب لوفاتهم نظرا لعدم توفر منظومتنا الصحية على امكانية الكشف احرى العلاج لمثل هذه الحالات المرضية منذ ستينيات القرن الماضي اما الآن فلدينا مستشفي متخصص للانكولوجيا ويعتبر شبه وحيد في المنطقة وهاهو يقدم خدماته الفعالة لمواطنينا و مواطني بعض الدول الشقيقة و الصديقة وهو مكسب يضاف للائحة انجازاتنا في مجال الدبلوماسية الصحية ان صحت العبارة.
هل تعلم يا صديقي و أنت تنتقد الوضع المتعلق بالمطارات في البلاد أن الكثيرين قضوا عقودا لا ينامون – بصورة اعتيادية-في مناطق في قلب العاصمة منذ تأسيسها بسبب ازعاج الطائرات صعودا او هبوطا وخوفا ووجلا من حوادث سقوط اثناء الاقلاع او الهبوط لوجود المطار في منتصف مدينة انواكشوط ..الآن تغيرت الوضعية فتم تشييد مطار دولي بمواصفات عالمية خارج العاصمة بمسافة 25 كلم ولله الحمد. وكان بعضنا يسمع بالطريق المسفلت الحديث ويتمنى ان يصل الى مكان قريب يستطيع فيه رؤيته بالعين المجردة بينما وصلت الطرق المعبدة لكافة عواصم الولايات و اغلبية عواصم المقاطعات ، في الوقت الذى تقول انت او غيرك ان هناك بعض الملاحظات بخصوص هذا الطريق او ذاك .. كان البعض يتعرض للمهانة و الاذلال في مطارات العالم ، بعد افلاس الخطوط الجوية الموريتانية ، اما الآن فجاءت شركة الموريتانية للطيران الدولي ، شركة وطنية و ذات مصداقية دولية و لها ثقة عالمية لا تؤثر عليها ان تأخر موعدها مرة استثنائية نادرة. تحدثت يا صديقي عن ملف الحدود و الهجرة غامزا ولامزا..لكنك نسيت أن تذكر أنها المرة الأولى منذ التأسيس والاستقلال التي يتم فيها تأمين الحدود بشكل مطلق مع ضبط الدخول و الخروج من بوابات محددة ومحدودة بعد ان كانت البلاد مفتوحة على مصراعيها لكل من هب و دب..وقد أثبتت الأحداث الداخلية و الاقليمية جاهزية جيشنا و قوات أمننا الباسلة و تسلحها بالعزم و العلم و الإرادة و الوسائل المختلفة التى جعلتنا -بحمد الله -دولة عزيزة الجانب يحسب لها أكثر من حساب وعلى أكثر من مستوى.. ورغم ذلك ها أنت يا صديقي تتغافل عن ذلك و تتناسى أمنيات بعض مواطنينا حين كانوا يتمنون رؤية دورية للشرطة او الأمن. بينما الآن تحسنت أوضاعنا للدرجة التي بات الكثيرون يصرخون لمجرد سرقة هاتف شخصي او تلفزيون او أحد المارة مثلا متناسين ضخامة الانجاز على المستوى الامنى ومقزمينه بحادث هنا او هناك كنتيجة طبيعية لتوسع و تمدد العاصمة لتصل الى ما وصلت اليه وهو أمر اعتيادي الا بالنسبة لمتصيدي الثغرات اللاموضوعيين! بينما كانت العصابات ممتهنة الاعتداء على الاموال و المواطنين في شتى ربوع البلاد كانت تعيش عصورها الذهبية قبل أن يضرب عليها الآن بيد من فولاذ و على رؤوس الاشهاد. يا صديقي هل تذكر أننا كنا نتحسر غصة و ألما ونحن نشاهد مياهنا الاقليمية ومواردنا البحرية وهي تنهب على عينك يا تاجر لأننا -يا لسخرية القدر-نمتلك فقط بحرية وطنية لا تتوفر الا على باخرة يتيمة يراد منها حماية كل هذا المجال البحري على نحو لا يتحقق الا بمعجزة. اما الآن فهانحن تأهلنا و ضاعفنا قدراتنا حتى تمكنا من حماية بحرنا بمافيه من خيرات و ألغينا اتفاقيات الغبن التي كانت مفروضة علينا في ظروف هواننا و ضعفنا لعقود..اما الآن فنحن أقوياء وإرادتنا حرة و مستقلة وسيادتنا فوق كل اعتبار.
هل تنسى يا صديقي كيف كان المواطنون البسطاء يتمنون رؤية مسؤول عمومي لا يحمل صفة الفساد و الافساد في الارض لأن الفساد عم و ظهر في البر و البحر وكان هو الحالة العامة ، أما الآن فالعكس هو الصحيح تماما بعد ان اعلنت بلادنا الحرب على الفساد و باتت الطهارة العمومية هي عنوان المرحلة هنا انكشف الغطاء و أصبح المفسد حالة نادرة وتم الزج بأهل الفساد وراء القضبان وشكلت لهم محاكم خاصة بجرائمهم !
كيف تنسى يا صديقي أن غيرك كان يتمنى أن يسمع حلا لمشكلة الماء و الكهرباء لا أن يعيشها واقعا حيا ..فالمواطن العادي بات يتوفر على حنفية فى منزله ومن لم يتوفر عليها هاهو يرى التوصيلات هنا وهناك تشق الطرق و تتسور المسافات مدينة مدينة في خطوات عملية لجعل أزمة مياه الشرب من ذكريات الماضي الأليم.. و في ختام جلستنا الحوارية توصلنا الى أنني مواطن واقعي واكبت المراحل السابقة و أعيش زمني الآن . و أقارن بين ما كان و ما تحقق يوميا و أثمن ما أنجز نظرا لحجم اليأس الذي كان يخيم على الجميع في لوحة بائسة بكل المقاييس. بينما ينتمى صديقي الى “عالمه الخاص!” الذي لا يتيح له إلا تفعيل “عين السخط”التي لا ترى إلا النصف الفارغة من الكأس ..فإذن كم هي مفارقة أن نتصادق ، رغم الخلاف في الرأي ، ونستظل بسقف واحد ..ولكنها موريتانيا المستقبل التي ترسم الآن من بانى الوطن و الدولة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز..و إذا عرف السبب بطل العجب.. بطل العجب يا صديقي!
بقلم محمد المصطفي الشيخ الطالب اخيار