الأخبار

الأمن مسؤولية الجميع / محمد فال طالبنا

الدولـة عنـد ابن منظور” صاحب “لسان العرب” تعني الفعل والانتقال مـن حـال إلـى حال
و في”القاموس المحيط” للفيروز آبادي، تعني “انقــلاب الزمــان والــدهر مــن حال إلــى حال”.
وحين نتجاوز الحدود اللغوية إلى المــدلولات السياســية والفكريــةنجد أن الاختلاف اللغوي يعكس في الواقع اختلاف المفاهيم بين مفهوم الدولـة وموقعهـا فـي الفكـر العربـي والفكر الغربي، فالدولة عنـد ابـن خلـدون مـثلا هـي” ظـاهرة فـي كـل مـرة تنتهـي فيهـا الـدورة السياسـيةفهـي إذا فـي نظـره لا دائمـة ولا مسـتقرة. ويرى ابـن خلـدون فـي تفسـيره لظـاهرة عـدم استقرارالدولة “أن أحوال العـالم والأمـم وعوائـدهم ونحلهـم لا تـدوم علـى وتيـرة واحـدة ومنهـاج مســتقر، إنمــا هــو اخــتلاف علــى الأيــام والأزمنــة وانتقــال مــن حــال إلــى حــال، وكمــا يكــون ذلــك فــي الأشــخاص والأوقــات والأمصــار فــإن ذلــك يقــع فــي الآفــاق والأقطــار والأزمنــة والــدول ولــذا فإن الدولة تبقى مؤسسة دائمة التعرض للتبديل والتغيير.”
ويرى ” ادمون ربـاط ” أن الدولة عند الشرقيين هي التغيـر في الدول والأحوال لدرجـة أنهـم لـم يـروا فـي الحكـم إلا أنه كـان معرضـا للتبـدل، فـي حـين لم يجد الغربيون للدلالـة علـى هـذا الحكم أفضل من كلمـة “status” فـي اللاتينيـة و “Stato” فـي الإيطاليـة و” Etat ” فـي الفرنسـية و” Stste” فـي الإنكليزيـة، للإشـارة إلـى أن الأمـر والحكـم لا يتبـدل ولا ينبغـي أن يتبـدل، بـل هـو دائـم وقـائم ومسـتتب، وفـي هـذا الاخـتلاف فـي كـل مـن العقليتـين، ظـاهرة لاشــك أنها مســتمدة مــن تــاريخ الشــرق والغــرب فأين نحن من ذلك ساسة وكتابا ونخبا وحتى عامة !!
الحقيقة أن النظر إلى العوامل التاريخية في التمييز بين معنى الدولة عند الغربيين والشرقيين ولست أرانا إلا برزخًا بين الإثنين وإلى الأخير أقرب ، توضح البون الشاسع بين المعاني والدلالات ، فــالمعنى التقليــدي للدولــة عنــد الغــربيين يعكــس فــي حقيقتــه فلســفة لا تخفــى أبعادهــا الاجتماعية والاقتصادية ، هدفها الأساس دعم هذه المؤسسة- أي الدولة – وتمجيدها واستبعاد احتمال تغيرها، فـي حـين أنها لا تأخذ ذلك الطابع المقدس عند غالبية الكتاب العرب والمسلمين، إن هـذه الملاحظـة يؤكـدها مـن ناحيـة أخرى ظهـور المـذاهب الفكريـة التـي تـدعوا إلـى تمجيـد الدولـة فـي الغـرب فـي حـين لانجد فينا من يمجد إلا فلانا أو طائفة أو حزبا أو جهة بل الأدهى من ذلك والأَمَرْ عدم المساهمة في تقويتها كمؤسسات يجب أن لا ترتبط في الذهنية العامة بالأشخاص ، ومع كل ذلك نحملها أعباء جميع الأخطاء التي تحصل بسببنا !!
حين نتحدث عن الدولة فنحن نتحدث عن مؤسسات تعمل بشكل متناسق ومتكامل من أجل أمن واستقرار المجتمع ، وحين نتحدث عن الأمن فنحن نتحدث عن كافة مستوياته الأمن القومي والإجتماعي والسياسي والثقافي
لقد تداخلت مستويات الأمن الاجتماعي مع الأمن القومى الذى يعبر عن الأمن الوطنى للدولة المعاصرة، وقد تعددت مفاهيم الأمن الاجتماعي وأبعاده فى ظل العولمة والتطورات الحديثة التى تفرض أخطارا جساما ومتغيرات لها آثار مختلفة على حياة الفرد والجماعة
ولا يمكن أن يكون هناك أمن اجتماعي بدون أمن اقتصادي ، وأمن قومي ، وأمن إقليمي وأمن دولي وأمن إنساني لأنها تلتقي جميعا عند مبدأ الضرورة والحاجة، وتتداخل هذه المفاهيم بين علم الاجتماع وعلم السياسة وعلم الاقتصاد.
في خضم هذا التداخل بين المفاهيم والواجبات يتبادر إلى الذهن تساؤل واحد يختزل في طياته الكثير من التناقض مع الذات وعدم الإحساس بالمسؤولية بل والتخلص منها عند الضرورة ودفعها بإتجاه معين : على من تقع مسؤولية الأمن !!
إن قطاعًا كقطاع الشرطة الوطنية ظل منسيًا لفترات طويلة سواءً من الناحية اللوجستية أو البشرية أو المادية حتى أضحى هدفًا للتنكيت والسخرية لا يمكن أن يتحمل مسؤولية الأمن بمفرده دون أن يحظى بحقه في الرعاية والإهتمام من أجل الرفع من مستوى جاهزيته ليكون معينًا على التنمية والإقلاع الاقتصادي الذي تعهد به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حيث لا تقدم بدون استقرار ولا تنمية بدون أمن وقد برهنت الآية الكريمة على ذلك ” الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ” .
إن معيار الأمن منوط بقدرة المؤسسات الحكومية والأهلية على تجسيده وفي الحد من الجريمة والتصدي لها والجريمة هنا بمفهومها العام ، ولعلنا نستحضر نجاح هذا القطاع في إدارة الشق المتعلق به فيما يعرف بملف الفساد ، حيث برهن على كفائته وأهليته على كافة المستويات وبسرية ومهنية أدهشت الجميع وقد يحسد على ذلك .
إن حماية الأفراد والجماعات من مسؤوليات الدولة من خلال فرض النظام ، وبسط سيادة القانون بواسطة الأجهزة القضائية والتنفيذية ، واستخدام القوة إن تطلب الأمر ؛ ذلك لتحقيق الأمن والشعور بالعدالة التى تعزز الإنتماء إلى الدولة بصفتها الحامى والأمين على حياة الناس وممتلكاتهم وآمالهم بالعيش الكريم في حين لا يعتقد الكثير منا أن الأمن مسؤولية اجتماعية مرهون بمدى وعي الشعوب وإدراكها بحجم مسؤولياتها تجاه بعضها البعض وتجاه الوطن والدولة بكافة مؤسساتها !!
فحين يعتلي سياسي ألف منبر ويشحذ الهمم ويبث السموم ويستنجد بالشهب والصواعق ليرسلها جزافا على خصومه المفتعلين دون أن يشعر بتبعات ماينتج عن ذلك نتساءل عند حصد الثمار أين الأمن !!
حين يفشل قطاع حكومي في تنفيذ سياساته ويرسخ مبدأ الإقصاء والتغييب ولا يراعي مبدأ الكفاءة ، مثل قطاعات الإعلام والتوجيه الإسلامي والثقافة والرياضة والتشغيل والتجارة والصناعة وغيرهم ……وحين تفشل الأسرة في التربية وتتراجع الحاضنة الاجتماعية عن دورها المنوط بها وتفشل المؤسسات التعليمية وتُترك أزمة العقول إلى شياطين الإنس في الداخل والخارج نتساءل حينها أين الشرطة !!
الأمن لا يتحقق من ناحية واحدة بل من جميع نواحى حياة الأفراد كالتعليم والصحة والعمل والرعاية الاجتماعية والعدالة وتساوي الفرص بين كافة أبناء المجتمع وإلى أن يتحقق جُل ذلك أو بعضه أو كله دعونا نتأكد أن الوطن لنا ولسنا عابري سبيل .

بقلم محمدفال طالبنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى