مقالات

مُحَارَبَةُ الإرْهَابِ تكونُ بإِطْفَاءِ مُوقِظَاتِهِ أوْ لا تكُونُ / المختار ولد داهى

يلتئم اليو م 21 يناير 2020 بنواكشوط مؤتمر “علماء إفريقيا”ضد الغلو و الإرهاب بدعوة من رئيس المنتدى العالمي للسلم رمز الوسطية و الإسلام السمح العلامة عبد الله ولد بَيَّ؛و لقد حالف التوفيقُ المنتدى فى دلالة مكان انعقاد المؤتمر ذلك أن موريتانيا تاريخا اضطلعت بدور مشهود فى نشر الإسلام السمح منزوع الغلو إلى إفريقيا كما أنها حاضرا من أنجح الدول و الحمد لله -أدام الله تلك النعمة-فى الوقاية من مخاطر الغلو و الإرهاب.

ومفهوم الإرهاب شامل ينبغي أن يطال كل صنوف التطرف التي تتبني العنف بادي الرأي أو لا تستبعد اللجوء إليه وسيلة لتحقيق أهدافها سواء كانت دينية أو سياسية أو عنصرية أو فئوية أو شرائحية،…و إن كان المصطلح مُحيلا إلي التطرف الديني العنيف خصوصا الذي شغل كل الناس و تكاد لا تنجو منه رقعة من العالم و إلي التطرف الإسلامي علي الأخص الذي بدا منذ ما يربو علي عقدين من الزمن التطرفَ الديني الأكثر مقروئية و نشاطا و تغطية إعلامية..

و الإرهاب ذو الخلفية الدينية أصله و “قاعدته” الأساس انحرافٌ في الفكر الديني مُؤسسٌ علي فهم سقيم للدين مبنيٍّ علي القوة و العنف و الإكراه و الجهل بحكمة التدرج في شؤون تسيير العلاقة مع الآخر المُخالِف في الدين أو الطائفة أو المذهب و في الموقف من مسألة النزاع علي السلطة و الحكم.

و الإرهاب ليس “ماركة” دينية معينة بل هو موجود لدي بعض التيارات و المذاهب الدينية المنحرفة -قليلة العدد و الأتباع- شديدة التطرف و الدموية الموجودة في كل الديانات و الديانات المُوحِّدَةِ اليهودية و المسيجية و الإسلام.

ففي كل الديانات المُوحدة فئة قليلة العدد غُلاةٌ عُراةٌ من العقل و الحكمة متشددون يرون لأنفسهم حصرية الحقيقة و يرفضون بالقوة و الإكراه الاختلافَ مع الآخر المخالف فى الدين كما يُعَادُونَ التنوع (الاختلاف مع “الآخَرِ القريب”المخالف فى الطائفة و المذهب و الرأي السياسي).

و هؤلاء الغلاة بعدائهم العنيف للآخر يعادون سنة كونية و حكمة إلهية (الاختلاف)و لا يسعون في أمور الدنيا إلا فسادا و إفسادا، و من الناس من يقف فاغرا فَاهُ اتجاه ما يبدو من صدق الحمية الدينية لهؤلاء المنحرفين دينيا غافلا أن العاطفة الدينية من غير علم و فقه ضربٌ من الضلال المبين و درجةٌ من درجات فقدان البوصلة والعقل.

و من المُلاحَظ أن التطرف الديني العنيف يكون غالبا ” نائما” محصورا محشورا في بعض شِعَبِ العنف اللفظي محدودَ الانتشار قليلَ الأشياع خَفِيضَ الصوت و لا يكون نشطا يقظا إلا في شكل ردات فعل غيرعقلانية مُفرِطَةِ العاطفية و العُدوانية و التوحش فى حال هشاشة الدول عبر الإصابة بإحدى” المُوقِظَاتِ”| الثلاثة: الغزو الأجنبي الكالح و الظلم الاجتماعي الفاضح و الاستبداد السياسي الواضح و يبلغ التطرف الديني ذروته في حال توفر الموقظات الثلاثة في آن واحد.

وإذا بدا التطرف الديني المسيحي و اليهودي اليوم منحسرا نائما فإن ذلك عائد إلي “تمتع الفضاء المسيحي و اليهودي بالصحة السياسية و الاجتماعية” و انتفاء ” الموقظات الثلاثة” آنفة الذكر بعدما تملكت المجتمعات الغربية التفوق العسكري فأمًنت دولها من إمكانية الاختراق و الغزو الأجنبي و حسمت “عقدة النزاع علي السلطة” فأرست قواعد الديمقراطية و التداول السلمي و عززت السلطات المضادةles contre pouvoir وسلطات الرقابة و رفعت الظلم الاجتماعي فانتهجت نموذجا اقتصاديا و اجتماعيا وفر قدرا معلوما من الرخاء الاقتصادي و التوزيع العادل للثروة.

و إذا كان التطرف الديني الإسلامي اليوم نشطا يقظا فَفَتٍشْ عن المُوقظات الثلاثة و أكثرها وقاحة الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من ستة عقود للأراضي الفلسطينية و العربية و الحرب العالمية الأولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق و التي تبين لاحقا أنها كانت ” حربا بلا سبب”،حربا علس أساس ” بلاغ كاذب” و التي كانت المُحرضَ الأكبر للتطرف الإسلامي العنيف ضد الغرب و ضد الأنظمة السياسية العربية و الإسلامية الحاكمة؛و يُسجل الموريتانيون أن أول خلية للتطرف الإسلامي العنيف بموريتانيا أنشئت بعد الحرب العالمية الأولي علي العراق .

و لا يخطئ من له بصيرة ملاحظةَ “رواج” التطرف الإسلامي العنيف في دول العالم العربي تناسبا مع درجة التأثر بالموقظات الثلاثة للتطرف الديني العنيف فكلما كانت دولة عربية أكثر تماسا مع الاحتلال و الغزو الأجنبي و أحَدً إصابة بالظلم الاجتماعي و أشدً معاناة من الاستبداد السياسي كانت أسهل إصابة”بالداء الإرهابي” .

و في المحصلة فإن التطرف الديني العنيف (الإرهاب)انحرافٌ فكريٌ عامٌ علي كل الأديان واكب نشأتها تقريبا منزوع البأس و الضرر محدود الانتشار ما دام نائما تجدر مواصلة محاربته فى العالم الإسلامي الذى يفتك بدول عديدة منه من خلال تبيان الحق و تعزيز الفهم السليم السلمي المعتدل للإسلام الذى هو “الدين الخالص” و “الناسخ و الجَابُّ لما قبله”؛

و القضاء على الإرهاب نهائيا يحتاج توفيقا كبيرا و نَفَسا طويلا و محاصرتُه في بلاد العرب و المسلمين الملتهبة اليوم و تنويمه أمر بالغ الاستعجال مُجربُ الإمكان عبر مقاربة شاملة ركنها الركين سحب الذرائع و “إِطْفَاءُ” الموقظات الثلاثة: الغزو الأجنبي و الظلم الاجتماعي و الاستبداد السياسي ذلك أن القناعة راسخة لدى العديد من الراسخين فى شؤون محاصرة الإرهاب بأن محاربته تكون بإطفاء موقظاته أو لا تكون.

المختار ولد داهى،سفير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى