“الفاتُورَةُ الاقْتِصَادِيًةُ للإِرْهَابِ” بِمُورِيتَانْيَا

ألحقت الظاهرة الإرهابية العديد من الخسائر الاقتصادية بدول العالم عموما و إن كانت الدول السائرة في طريق النمو أشد تأثرا بفعل عدم تنوع اقتصادياتها و اعتمادها غالبا علي مَوْرِدٍ أو مَوْرِدَيْنِ من الأنشطة الاقتصادية لا أكثر مما يجعلها ضعيفةَ قابليةِ الصمود أمام “الصدمات الخارجية”.
و من بين الدول النامية تعتبر اقتصاديات دول الساحل و الصحراء “عالية الهشاشة” الأكثر تضررا من ضربات الحركات الإرهابية التي تحتل أجزاء معلومة من الحوزة الترابية لثلاثة من دول المنطقة ( نيجيريا،ليبيا و مالي) كما تتميز بحضور “يقظ” أو “نائم” في جميع الدول الأخري!!
و رغم “الصعوبة المألوفة” في الحصول علي المعلومات الاقتصادية عن بلادنا نظرا لشبه غيابها أصلا و صعوبة الولوج إلي النزر القليل المتوفر منها فإنه يمكن تَحَسُسُ حجم الفاتورة الاقتصادية الباهظة للإرهاب ببلادنا من خلال استنطاق و مساءلة المؤشرات الستة التالية:-
أولا:ضبابيةُ المناخ السياسي الذي هو حاضنة النمو الاقتصادي: فقد أدت الظاهرة الإرهابية في موريتانيا إلي إرباك المشهد السياسي و عدم استقراره إذ يكاد يكون من المجمع عليه أن السبب المباشر للانقلاب العسكري 2005 هو “التعاطي المرتبك” للنظام وقتئذ مع مجزرة لمغيطي التي نفذتها جماعة إرهابية ضد وحدة من الجيش الموريتاني.
كما أن بعض المحللين يرجعون أحد المسوغات الرئيسة للانقلاب العسكري 2008 إلي أحداث ألاك و نواكشوط الإرهابية سنة 2008 و ما أشيع ساعتها في الأوساط الصحفية و السياسية و الدبلوماسية الوطنية و الإقليمية و الدولية عن حاجة الدولة إلي نظام أكثر قوة و صرامة في التعامل مع الخطر الإرهابي!!
ثانأ: انهيارُ عائدات القطاع السياحي: لقد ألحقت الظاهرة الإرهابية ضررا بالغا بالقطاع السياحي بموريتانيا بعد وضع العديد من المناطق السياحية بالبلد علي الخرائط الحمراء بالدول الأوروبية و تشير بعض الدراسات إلي فقدان البلد منذ عملية لمغيطي 2005 10000 فرصة عمل مؤقتة و 3000 فرصة عمل دائمة بفعل انهيار القطاع السياحي.!!
ثلثا:ارتفاعُ كلفة التأمين:من المؤكد أن مخلفات الظاهرة الإرهابية ارتفاع كلفة التأمين ذلك أن شركات التامين العالمية رفعت بشكل ملحوظ أسعارها فيما يتعلق بتأمين سفن الشحن و تأمين سلامة البضائع و الأشخاص العاملين بدول الساحل مما يعني ان ارتفاع أسعار المواد الأساسية و البترول و الدواء يعود في جزء منه إلي تنامي الخطر الإرهابي؛
رابعا: تضخمُ النفقات العسكرية و الأمنية: من المتواتر عليه ببلادنا أن النفقات العسكرية و الأمنية تسييرا و تكوينا و تشجيعا و تجهيزا قد عرفت تطورا ملحوظا وقاية من الخطر الإرهابي الذي يتربص بالبلد الدوائر و تتحدث بعض الأوساط الإعلامية عن مضاعفة الميزانية العسكرية و الأمنية مرات عديدة مقارنة مع حجمها سنة 2005!!؛
خامسا: تقهقرُ الاستثمار الخارجي الأجنبي: و تظهر بعض المقارنات الإحصائية أن الاستثمار الخارجي المباشرInvestissement Direct Etranger IDE/Foreign Direct Investment FDI قد شهد تراجعا بلغ حدا أقرب إلي التلاشي منذ عملية لمغيطي سنة 2005 خصوصا إذا ما تم استثناء الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الاستخراجية كالنفط و الحديد و الذهب …
سادسا: انتعاشُ “الاقتصاد الأسود”: من المتواتر عليه أن”الإرهاب الساحلي” يَقْتَاتُ علي عائدات اقتصاد أسود “Black Economy ” متمثل في ريع الفِدْيَاتِ و فَيْءِ تجارة المخدرات و تهريب السجائر و الأسلحة و تزوير العملات الأجنبية و المحلية و توفير ممرات آمنة الهجرة السرية،… و رغم الجهود الكبيرة لبلادنا في محاربة الاقتصاد الأسود فإن حجمه لا زال يقدر بالمليارات من الأوقية.!!
تلكم بعض المؤشرات الدالة علي أن بلادنا تدفع فاتورة اقتصادية كبيرة جراء تنامي ظاهرة الإرهاب الشيئ الذي يحتم علي الحكومة إجراء دراسة علمية تُوًفًرُ لها كافة المعلومات “المفتوحة” و “المغلقة” ابتغاء التسلح بأرقام واضحة،ناصعة حول الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء ظاهرة الإرهاب و تقديمها إلي الشركاء الاستراتجيين و الاقتصاديين و “الأمنيين” الإقليميين و الدوليين ابتغاء التكفل أو المساعدة في تلك الأعباء ذلك أن محاربة الإرهاب تكون بالتعاون الإقليمي و الدولي أو لا تكون!!!.

المختار ولد داهي، سفير سابق

Exit mobile version