يُعْتَقَدُ علي نطاق عريض و واسع أن “احترام الوقت” هو السرٌ المفتاحُ في توفيق و تَفَوٌقِ العديد من الأمم و الشعوب الغربية و الآسيوية و أن ” احتقار الوقت” هو أحد أسباب تخلف غالبية الشعوب العربية و الإسلامية.
و حدثني بعض المعارف من حديثي العهد بالإسلام من ذوي الأصول الأوروبية أنهم تفاجأوا بازدراء المسلمين للوقت حتي أضحوا يتندرون علي من يضرب لهم موعدا من “المولودين في الإسلام” سائلين إياه عن أي التوقيتين يتحدث؟ أعن التوقيت العالمي الموحد؟ Greenwich Mean Time GMT أم عن التوقيت الإسلامي”الكريم” Generous Muslim Time GMT ؟ حيث يتميز الأخير بالمواعيد العرقوبية حينا و بالمواقيت المُنْسَأَة حينا آخر من جانب واحد و من دون إخطار الطرف الآخر.
و زاد الإخوة حديثو العهد بالإسلام أنه خفف من صَعْقَةِ مفاجأتهم باحتقار الوقت اكتشافُهم بأن الأمر مُخالِف صراحة لمقاصد الشارع الإسلامي الذي جعل أربعا من أركان الإسلام “أركانا و كُتُبًا موقوتة”( الصلاة، الصوم، الزكاة و الحج) و ما يعنيه ذلك من محورية و مركزية الوقت في دين و دنيا المسلمين.
و يُجْزِمُ بعض ” غلاة” احترام الوقت أن الشعب الموريتاني أكثرُ الشعوب العربية و الإفريقية ” ازدراء للوقت” يتجلي ذلك في الثقافة المجتمعية الممجدة لقتل الوقت و تضييعه و الممارسة السياسية الباردة المبنية علي التسويف و التقاليد الإدارية العرقوبية وغير المضبوطة:
أولا: الثقافة المجتمعية المُمَجِدَةِ لتضييع الوقت:يكفي أن نشير في مقام الثقافة المجتمعية المُمَجِدَةِ لقتل و احتقار الوقت أولا إلي ازدراء قيمة العمل الذي هو “إعمار و إحياء الوقت” من طرف الموريتانيين و اعتبارهم الطبقات الكادحة في قاعدة الهرم الاجتماعي و أن ننبه ثانيا إلي المعاني الكامنة لتضييع الوقت في الطريقة الموريتانية في إعداد الشاي ثلاث مرات في اليوم علي الأقل في أوقات معلومة تتقارب مع مواقيت الصلاة كأنما الشاي عبادة و ” كتاب موقوت”.
ضف إلي ذلك شروط صحة الشاي المتعلقة بالبطء الشديد و هوية مُعِد الشاي الذي يكون غالبا إما عاملا من فئة معينة مُخَصًصا لإعداد الشاي أو سيدة في مقتبل العمر مع ما يستبطن ذلك من انتقاص كرامة بعض البشر من جهة و غياب الحِشْمَةِ و الحياء و الوقار من جهة أخري.
ثانيا: الممارسة السياسية الباردة و البطيئة: تتميز الممارسة السياسية الوطنية عموما بالبرودة و التسويف و غياب الحيوية و خيرُ مثالٍ علي ذلك ما نلاحظه من خلال متابعة المسار الأخطبوطي للحوار السياسي الذي “هَلَكَ” وقت ثمينٌ و كثيرٌ و هو لا يزال يراوح محطة “ما قبل جدول الأعمال”.
ثالثا: التقاليد الإدارية العرقوبية: يتجلي احتقار الموريتانيين للوقت في التقاليد الإدارية المبنية علي العرقوبية و المطاطية فلا يتفاجأ أي موريتاني إذا كان الموعد الذي ضربه له أحد كبار المسلمين خاويا بل إن المفاجأة تكون كبيرة إذا حدث العكس.
كما دأب منظمو الاجتماعات و الملتقيات و الندوات في موريتانيا علي توجيه الدعوات للموريتانيين ساعتين علي الأقل قبل توقيت الدعوات الموجهة إلي السفراء و الضيوف الأجانب لمعرفتهم بأن الموريتاني يأتي دائما ساعتين علي الأقل متأخرا عن الوقت المحدد.
و الحكومة الموريتانية ساعية في أيامنا هذه و -هي في ذلك علي حق و صواب- إلي تنشيط كل الثروات المُعَطًلَةِ و تنفيذ سياسة لتقليص النفقات العمومية الكمالية و ” التحسينية” لكل القطاعات الوزارية تحسبا لإمكانية تراجع اقتصادي للبلد خلال السنوات المقبلة بفعل “السقوط الحر” لأسعار الحديد و الذهب و النحاس في الأسواق العالمية و توقف “الانفجار المعدني” في باطن الأرض( الذهبي و النحاسي…) و الذي لم يكن إلا ثروة نُخْبَوِيًة عابرة دُولَةً بين بعض”أصحاب الكرامات الباطنية”.
و تساوقا مع سعي الحكومة هذا أنبه إلي أن أولي الثروات الوطنية المعطلة التي يجدر تنشيطها ثروةُ الوقت تلك الثروة السائبة التي إذا ما أُحْسِنَ استغلالها فسيبادر الجميع إلي العمل و الإنتاج وسترتفع الإنتاجية العمالية و النجاعة الإدارية بما يزيد من الانتاج الوطني و يقلل من الإنفاق العام مصداقا لما يصدع بعض الأخصائيين الاقتصاديين و الاجتماعيين بأن “الإنتاجية الكامنة”و المعطلة للفرد الموريتاني تفوق بثلاثة أضعاف الإنتاجية الحالية و ذلك بفعل عوامل أساسها قتل و تضييع الوقت وعدم الإتقان.
و سبيلا إلي تصحيح ثقافة ازدراء الوقت و ترسيخ ثقافة إعادة الاعتبار للوقت كأحد أهم عوامل الإنتاج و مفتاح سر التنمية الشاملة فلا مناص من إعطاء قوس إعادة الاعتبار للوقت لباريها و إنجاز دراسة تُشخص مواطن الخلل و تقترح معالم التصحيحات المطلوبة التي قد يكون من بينها:
1. برمجةُ درس وطني سنوي موحد و متزامن في جميع المدارس و الثانويات و المعاهد حول أهمية الوقت و تقاسم التجارب الناجحة في هذا المجال و اعتبار تضييع الوقت هدرا للثروة الوطنية؛
2. استحداث “قَسَمِ الوقت” الذي يُلْزَم به التلاميذ و طلاب المحاظر تربية لهم علي احترام الوقت و ضمانا لترسيخ ثقافة احترامه و استغلاله أحسن استغلال؛
3. تغيير عادة شرب الشاي ذي الثلاثة كؤوس إلي شاي ذي كأس واحد ربما مع حجم أكبر ضمانا لتقليص الوقت الكثير الضائع و المعطل المخصص لإعداد الشاي وتفاديا للسلبيات “الإنسانية” و” الحقوقية” و “الأخلاقية” المرادفة للطريقة الموريتانية الحالية في إعداده .
المختار ولد داهي، سفير سابق