“التطرف العنيف النائم” و “التطرف العنيف النشط”

“التطرف العنيف” مصطلح جديد “صَكًتْهُ” “مطابخ” و ” مُخْتَبَرَاتُ” السياسات الخارجية و الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية و الهيآت المختصة لمنظمة للأمم المتحدة في محاولة لشيئ من إنصاف المسلمين بديلا عن مصطلح الإرهاب الذي اختلط فيه حابل المقاومة و الدفاع المشروع بنابل التطرف و العنف الأعمي و أضحت محاربته في ذهنية العديد من المسلمين رمزا للاستعلاء الحضاري الغربي و الإسلاموفوبيا و صدام الحضارات…
ومفهوم التطرف العنيف شامل ينبغي أن يطال كل صنوف التطرف التي تتبني العنف بادي الرأي و أولَ مرة أو لا تستبعد اللجوء إليه وسيلة لتحقيق أهدافها سواء كانت دينية أو سياسية أو عنصرية أو فئوية أو شرائحية،…و إن كان المصطلح مُحيلا إلي التطرف الديني العنيف خصوصا الذي شغل كل الناس و تكاد لا تنجو منه رقعة من العالم و إلي التطرف الإسلامي علي الأخص الذي بدا منذ ما يربو علي عقدين من الزمن التطرفَ الديني الأكثر مقروئية و نشاطا و تغطية إعلامية..
.و التطرف الديني أصله و “قاعدته” الأساس انحرافٌ في الفكر الديني مُؤسسٌ علي فهم سقيم للدين مبني علي القوة و العنف و الإكراه و الجهل بحكمة التدرج في شؤون تسيير العلاقة مع الآخر المُخالِف في الدين أو الطائفة أو المذهب و في الموقف من مسألة النزاع علي السلطة و الحكم و التطرف ليس “ماركة” دينية معينة بل هو موجود لدي بعض التيارات و المذاهب الدينية المنحرفة في كل الديانات و الديانات المُوحدة خصوصا اليهودية و المسيجية و الإسلام.
ففي كل الديانات المُوحدة فئة قليلة العدد غُلاةٌ عُراةٌ من العقل و الحكمة متشددون يرون لأنفسهم حصرية الحقيقة و يرفضون بالقوة و الإكراه الاختلافَ و التنوع الذي هو سُنة كونية و حكمة إلهية و لا يسعون في أمور الدنيا إلا فسادا و إفسادا، و من الناس من يقف فاغرا فاه اتجاه ما يبدو من صدق العاطفة الدينية لهؤلاء المنحرفين دينيا غافلا أن العاطفة الدينية من غير علم و فقه ضربٌ من الضلال و درجةٌ من درجات فقدان العقل و الجنون.
و من المُلاحَظ أن التطرف الديني العنيف يكون غالبا ” نائما” محصورا محشورا في بعض شِعَبِ العنف اللفظي محدودَ الانتشار قليلَ الأشياع خَفِيضَ الصوت و لا يكون نشطا يقظا إلا في شكل ردات فعل غيرعقلانية مُفرِطَةِ العاطفية و العُدوانية و التوحش في حال توفر أحد ” المُوقِظَاتِ”| الثلاثة: الغزو الأجنبي الكالح و الظلم الاجتماعي الفاضح و الاستبداد السياسي الواضح و يبلغ التطرف الديني ذروته في حال توفر الموقظات الثلاثة في آن واحد.
وإذا بدا التطرف الديني المسيحي و اليهودي اليوم منحسرا نائما فإن ذلك عائد إلي انتفاء ” الموقظات الثلاثة” آنفة الذكر بعدما تملكت المجتمعات الغربية التفوق العسكري فأمًنت دولها من إمكانية الاختراق و الغزو الأجنبي و حسمت “عقدة النزاع علي السلطة” فأرست قواعد الديمقراطية و التداول السلمي و عززت السلطات المضادةles contre pouvoir وسلطات الرقابة و رفعت الظلم الاجتماعي فانتهجت نموذجا اقتصاديا و اجتماعيا وفر قدرا معلوما من الرخاء الاقتصادي و التوزيع العادل للثروة.
و إذا كان التطرف الديني الإسلامي اليوم نشطا يقظا فَفَتٍشْ عن المُوقظات الثلاثة و أكثرها وقاحة الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من ستة عقود للأراضي الفلسطينية و العربية و الحرب العالمية الأولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق و التي تبين لاحقا أنها كانت ” حربا بلا سبب”،حربا علس أساس ” بلاغ كاذب” و التي كانت المُحرضَ الأكبر للتطرف الإسلامي العنيف ضد الغرب و ضد الأنظمة السياسية العربية و الإسلامية الحاكمة. و يُسجل الموريتانيون أن أول خلية للتطرف الإسلامي العنيف بموريتانيا أنشئت بعد الحرب العالمية الأولي علي العراق .
و لا يخطئ من له بصيرة ملاحظةَ “رواج” التطرف الإسلامي العنيف في دول العالم العربي تناسبا مع درجة التأثر بالموقظات الثلاثة للتطرف الديني العنيف فكلما كانت دولة عربية أكثر تماسا مع الاحتلال و الغزو الأجنبي و أحَدً إصابة بالظلم الاجتماعي و أشدً معاناة من الاستبداد السياسي كانت أعمق غرقا في بحر عدم الاستقرار و الفوضي و التوحش…
و في المحصلة فإن التطرف الديني العنيف انحرافٌ فكريٌ عامٌ علي كل الأديان واكب نشأتها تقريبا منزوع البأس و الضرر محدود الانتشار ما دام نائما تجدر مواصلة محاربته من خلال تبيان الحق و تعزيز الفهم السليم السلمي المعتدل المتسامح للرسالات السماوية و القضاء عليه نهائيا يحتاج توفيقا كبيرا و نَفَسا طويلا و محاصرتُه في بلاد العرب و المسلمين الملتهبة اليوم و تنويمه أمر بالغ الاستعجال مُجربُ الإمكان عبر مقاربة شاملة أحد أركانها ” إِطْفَاءُ” الموقظات الثلاثة: الغزو الأجنبي و الظلم الاجتماعي و الاستبداد السياسي.

المختار ولد داهي،سفير سابق

Exit mobile version