لست شارلي، ولا تواصلي… / سيد محمد ولد ابه

لا ينقضي العجب من أهل تواصل وقدرتهم على تبديل المواقف وتبريرها تبريرات واهية لا ينطلي وهنها عليهم، أحرى على غيرهم ممن تتبع تناقض مواقفهم، وفقه تدليس أدبياتهم. جاء موقف القوم من أحداث باريس ليعيد نخبتهم إلى كتابة المطولات في تبرير ما لا يمكن تبريره. فقد رأى البعض في موقفهم شدة ضد العمل الإرهابي، وليونة تجاه فعل الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد من حرج التواصليين الهبة الشعبية المنددة بشارلي أبدو، المتجاوبة مع الموقف الرسمي للدولة التي رفض رئيسها بشكل واضح أي تمثيل لموريتانيا المسلمة في مسيرة ترفع فيها صور مسيئة للإسلام ورموزه، وأطلق الشعار الذي يعبر عن ثوابت الأمة: “لست شارلي، ولا كوليبالي.” في ترتيب يظهر أن فعل شارلي هو الذي أنتج كوليبالي، فلو لم تكن شارلي ورسومها المسيئة ما كان كوليبالي. هي إذن إدانة صريحة للإساءة إلى الإسلام، ورفض واضح لردود الفعل الإرهابية على ذلك. اتحاد الموقف الشعبي مع الموقف الرسمي في موضوع يمس الدين، مثل رفضا لموقف تواصل المتزلف للغرب، بإدانته الصريحة للإرهاب، وتنديده الخجول بالإساءة إلى الإسلام، وهو الحزب ذو الخلفية الإسلامية، زعم!
أوكل الحزب إلى رئيس مجموعته في البرلمان البحث عن مبررات، فجادت قريحته بمطولة استدعى لها تاريخ الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، متأولا طريقة تعامله، والصحابة معها، بهدف التقليل من شناعتها، هداه الله.
يحمل عنوان المطولة مقابلة بين الربانيين، والمتطرفين. يكتشف من يمتلك الصبر على المكاره، عند فراغه من قراءة المنشور أن “الربانيين”، في عرف تواصل، هم الذين يضعون أصابعم في آذانهم ويستغشون ثيابهم، ويجمحون إلى مغارات، أو مدخلا، إذا سمعوا من يلغ في عرضه صلى الله عليه وسلم. والمتطرفون، في عرف تواصل، هم الذين ينتصرون لمن قال الله عنه: إلا تنصروه فقد نصره الله. ويستدعي ولد الحاج الشيخ، يا للمفارقة! التاريخ الإسلامي ليبرر التغاضي، بل حسن المعاملة، عن المسيئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلم يتعرض أحد لمن وضع عليه سلى جزور، ولم يتعرض هو صلى الله عليه وسلم لأصحاب الإفك، ودعا لأهل الطائف، أما ابن الأشرف، فقد “… كان بمثابة جيش كامل ودولة،…”، وغاية كل هذه “الحجج”، فما بالنا نشوه صورة الإسلام عند “الآخر”= المسيحي+ اليهودي+ الملحد، بالغضب لرسوم لو مثلت أحدنا لانتصر لنفسه! ألا تستحي، يا ابن الحاج الشيخ، يا ذا الخلفية الإسلامية!
لنعد إلى المطولة من بدايتها.. يتحسر ابن الحاج الشيخ..”… فتجد نفسك في زفة الصخب يفرض عليك أن تلوح مع الماشين بلافتات كتبها غيرك، وتوقع بيانات حررها سواك،…” هل هذا فعل الربانيين، أم فعل السياسيين الذين يركبون الأمواج مخافة أن تجرفهم، أو طمعا في توجيهها وجهة تنفعهم في هذه الحياة الدنيا؟
يريد ابن الحاج الشيخ أن يوهم قراءه، على قلتهم، أن أهل تواصل يريدون، بتخاذلهم عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، أن يكونوا ربانيين، فلننظر في سيرتهم هل تشبه ما وصف الله به الربانيين، في قوله تعالى.. ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. تلك هي صفات من يريد أن يكون ربانيا، فأين تواصل منها؟ هل يعلم حزب تواصل الكتاب، حتى يكون أهله ربانيون؟ ليس للحزب مؤسسة علمية معروفة،وهل يتدارس أهله الكتاب؟ لا علم لنا بحال الأفراد لكن المؤسسة الحزبية تدعو إلى التظاهر، وتنشر البيانات، ولم تؤثر عنها دعوة إلى تدارس الكتاب، بل إن موقفها من أحكامه يعتمد التأويل، ويتبع المتشابه، فرئيس الحزب، في مقاله التأصيلي، ينكر حدي الرجم والردة مستندا إلى شنقيطي الدوحة المقلد للترابي. فهل يطمع من كانت هذه حاله أن يعد ربانيا!
يسند ابن الحاج الشيخ إلى ما يسميه “الحركة الإسلامية الوسطية”، وهو لقب يطلقه الإخوان على أنفسهم، كما يطلق الخوارج على أنفسهم “الشراة”، ويتلقب المعتزلة “أهل العدل والتوحيد”، مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يؤثر ذلك عن الإخوان لمخالفته لقاعدتهم الذهبية:” نتعاون على ما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه.” هذه القاعدة هي التي زينت لهم التحالف مع الشيوعيين المنكرين لوجود الله أصلا، والعلمانيين الذين يرون الدين عقدا فرديا بين الإنسان ومعبوده.
وينسى ابن الحاج الشيخ الآمال العريضة التي علقوها على الغوغاء للوصول إلى السلطة أثناء فتنة الربيع التي أشعلوها حتى أورد أحد قادتهم الدكتور محمد الأمين بن مزيد أثرا ينسب إلى الشعبي، في مدح الغوغاء: نعم الشيء الغوغاء يسدون السبل ويطفئون الحريق ويشغبون على ولاة السوء. ونسي ابن مزيد أن ينبه قراءه إلى الطعن في صحة هذا الأثر عن الشعبي، كما تقتضيه الأمانة العلمية الواجبة في من تلقب بالدكتور!
نسي ابن الحاج الشيخ كل ذلك فقال:” وليس الرباني بمعنى الآية السابقة [كذا في النص!] ذلك الغوغائي المتعصب- وإن طابت نيته- الذي ينساق لمن ينعق له…” سبحان الله! نعم الغوغاء حين يثورون على أولي الأمر، ويشعلون الفتن التي تهلك الأنفس، وتدمر الدول والمجتمعات المسلمة الآمنة، وليسوا ربانيين، بل متعصبين حين ينتصرون للنبي صلى الله عليه وسلم ضد إساءة الكفار! والدعوة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم نعيق! والنعيق في اللغة: “نَعِيقُ الغُرَابِ: صَوْتُهُ، صِيَاحُهُ، نَعِيبُهُ. والنعيق: صوت صياح المهيج للفتنة.” الدعوة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم نعيق في عرف نائب رئيس حزب تواصل ذي الخلفية الإسلامية. سبحانك هذا إفك مبين.
الأدهى من كل ذلك دعوى الباطل التي أوردها ابن الحاج الشيخ ببرود يحسد عليه:” وبعد ما قمت به وغيري من قادة الحزب من تسجيل موقفنا من استعمال القوة والسلاح وهو موقف مبدئي ينسجم مع أفكارنا وأطروحاتنا المسطرة والمنطوقة الرافضة للعنف واستخدامه باسم الدين الإسلامي الحنيف.” تصوروا يرحمكم الله مثل هذا الكلام يصدر من إخواني يتولى قتلة الخازن دار، والنقراشي، ويهلل للتفجيرات في دمشق، ويكبر مع كل صاروخ يطلقه الناتو على أحياء طرابلس الآمنة! صدق صلى الله عليه وسلم: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت.” متى كان الإخوان ضد استعمال العنف باسم الدين، إلا إذا كان ضد الآخر، كما يسمونه. كان حزب تواصل الوحيد بين الأحزاب الموريتانية الذي سارع إلى التنديد بالتفجير أمام سفارة الكيان الصهيوني، ولم تنتج عنه خسائر مادية ولا بشرية. وحين فجر انتحاري من جبهة النصرة جامع الإيمان، وقضى فيه العلامة البوطي مع عشرات من طلبة العلم تنفيذا لفتوى القرضاوي الإخواني بهدر دم أعوان الظلمة، انبرى تواصلي عريق يقلده رئيس الحزب في إنكار بعض الحدود، وشهد للبوطي بالنار!
يستمر ابن الحاج الشيخ في تلبية شرط النبي صلى الله عليه وسلم، حين يقول: “…، فينبغي أن تراعى مصالح الإسلام والمسلمين في كل فعل أو قول يقصد به خدمة الإسلام،…” فأين غابت عن الإخوان مصالح المسلمين حين فجروا فتنة الربيع التي تكشفت عن خراب البلدان، وقتل مئات آلاف المسلمين من أجل حرية التعبير، وشفافية الإنتخابات التي خسروها في ليبيا فحملوا السلاح على الليبين. ويستخدم إصرار مفاوض قريش على محو صفة النبوة، معللا ذلك..” لو علمنا أنك رسول الله ما نازعناك.”، ليبرر ضمنيا إسقاط لفظ الإسلام من مسميات أحزاب الإخوان في تركيا، والسودان، وموريتانيا، ومصر، وتونس، وتنصلها من الشريعة وليبراليتها في العقيدة، وتثبيط تواصل عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
وثالثة الأثافي قوله:”إن الشهادة في سبيل الله- حسب تعبير الأستاذ فهمي هويدي- قنبلة ضخمة لا ينبغي أن تترك بيد من لا يقدر قيمتها،…” ونسي ابن الحاج الشيخ أن الإخوان هم من جعلوا تلك القنبلة الضخمة عنقودية فجروها في المساجد، والميادين، والمباني العامة، وشهدوا بها زورا وتأليا على الله لمن قتل غيلة أو صبرا من قادة تنظيمهم مثل البنا وسيد قطب رحمهما الله، ومن قتلوا في الفتن وأعمال الشغب انتصارا للحرية والديمقراطية. ثم يقلب الموازين، كما دأب قادة الإخوان، فيجعل دار الحرب سلما، ودار السلم حربا..”إن ساحة الجهاد، هناك “في بلاد الآخر” هي ساحة دعوة وعمل، ساحة ثقافة وإبداع، ساحة تمكين واستمرا، [كذا في النص!] وإزالة للشبهات،…” أما في دار الإسلام، في الشام، وليبيا ومصر فالجهاد قطع الرؤوس، وتفجير السيارات المفخخة، واغتيال أبناء الفقراء من رجال الأمن والجيش، والنفير مع الناتو… وهذه صفات من قال فيهم الصادق المصدوق..” يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان.”
يصل ابن الحاج الشيخ قاع مطولته ليثير كدرها..” ولو كانت السلطة اليوم في بلدنا تدرك خطورة الخطاب “القاعدي” الذي تدفع له دوائر في دين الملك يحملها الغرق السياسي على التشبث ولو بقشة الدفع بالمجتمع نحو هاوية السلاح وخطاب المواجهة الخاسرة.” لله في خلقه شؤون! نائب رئيس الحزب، نائب رئيس الجمعية الوطنية، المتصدر للتنظير، لا يدرك أن هذه الجملة بلا معنى، لأنها تبدأ بشرط “لو كانت السلطة اليوم في بلادنا تدرك… وتنتهي دون جواب الشرط، وهي بذلك شبيهة بمبتدأ بلا خبر! فلا بد يا غلام!، في لغة القرآن، للشرط من جواب، كما في قوله صلى الله عليه وسلم “إذا لم تستح فاصنع ما شئت.” وقد فعلت، وبذلك أجبت على الشرط…
وبعد..
يحق لكل مسلم، يتولى الله ورسوله والذين آمنوا، أن يرفع شعار:”لست شارلي ولا تواصلي.”، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

Exit mobile version