لا شك في أن تعيين الأستاذ إبراهيم ولد داداه وزيرا للعدل يشكل مؤشرا إيجابيا في اتجاه إرادة إصلاح العدالة التي أصبح إصلاحها في غاية الإلحاح لكونها مفتاح وأساس كل شيء؛ سواء أتعلق الأمر بالأمن الوطني ومكافحة الفساد والإرهاب والجريمة المنظمة، أم بالتنمية والازدهار الاقتصادي،
أم ببناء وتوطيد دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية العادلة. ذلك أن الأستاذ إبراهيم ولد داداه يعرف القطاع جيدا، ولديه الكفاءة والمؤهلات، ويتحلى بالنزاهة والاستقامة، وغني عن التفاهات التي ينغمس فيها بعض المسؤولين.
ولا شك كذلك في أن لمسة الإصلاح التي باكرت النيابة أمر يذكر له فيشكر. ذلك أن النيابة تشكل نصف القضاء، وهي أمينة الدعوى العمومية، وعليها يقع عبء التكييف وعبء الاثبات. وعندما تتخلى عن جميع واجباتها وتصبح أداة طيعة في يد السلطة ويد الشرطة وأيد أخرى فإن ميزان العدل سيختل في أهم وأخطر مجالاته التي تتحكم في دماء الناس وحرياتهم وأموالهم وأعراضهم التي حرم الله إلا بالحق.
وهنا لا يسعني إلا أن أقدم بعض الملاحظات على ما قام به معالي الوزير الجديد من تعديل من جهة، وعلى ما ينبغي القيام به في القريب العاجل بغية توطيد وتكريس اتجاه الإصلاح المنشود:
1. يبدو أن التوازنات القبلية والاتنية والجهوية ما تزال تشكل عبئا ثقيلا على أصحاب القرار في العدالة؛ الشيء الذي يجب أن يوضع له حد نهائي إذا كان العدل هو الهدف. فالقيام بالعدل بين الناس لا ينبغي أن يتأثر بأي عامل من تلك العوامل التي تمكن مراعاتها في مجالات أخرى. ذلك أن القاضي يجب أن تراعى في تعيينه معايير الكفاءة (المعرفة والذكاء والنباهة وإتقان فن صنعة القضاء) والنزاهة والاستقامة والمسؤولية، ولا عبرة – بعد توفر تلك المعايير- بأي شيء آخر مهما أرجف المبطلون الذين يختلقون الحجج الواهية لتبرير فسادهم ووقوفهم ضد الإصلاح. وقد تجلت مراعاة هذه التوازنات في تحويلات المجلس الأعلى للقضاء الأخيرة رغم أهميتها، كما تجلت في إصلاح النيابة حيث عوضت كل قبيلة ما فاتها على حساب بعض المعايير الأخرى.
2. إن السيد المدعي العام الجديد قاض من أمثل القضاة في مجالي المعرفة والتجربة؛ ولكنه كان طرفا أصيلا في الصراع المزمن الدائر في القطاع منذ ما قبل 3 أغسطس 2005 حول الإصلاح، وهو مسؤول عن تنفيذ عملية اختطاف وتخريب الهيئة الوطنية للمحامين في أواخر يونيو سنة 2002. تلك العملية التي فتحت باب فساد مهنة المحاماة ومهدت لقيام جماعات من المحامين والقضاة تعيش على الفساد.
3. أي دور ينتظر التحقيق؟ هل سيظل كما كان زائدة على هامش النيابة تنفذ أوامرها وتتبع هواها، ثم تعيد إليها – بعد ما شاء الله من وقت وجهد ضائعين- بضاعة الضبطية القضائية كما تسلمتها لم تتسنه كطعام وشراب عزير حسب تعبير أحد العمداء، أم إن في جعبة الوزير والمحكمة العليا ما من شأنه أن يصلح هذا القطاع الحيوي الأساسي الذي ترتبط به مهمة إظهار الحقيقة التي لا عدالة بدونها؟
4. وأي دور ينتظر المفتشية؟ فإذا كان المراد منها أن تبقى كما كانت جهازا جامدا لا يقدم ولا يؤخر، فإن الأفضل أن يتم إلغاؤها وتخصيص مخصصاتها لشيء مفيد. أما إذا كان لها دور آخر هو الذي أنشئت من أجله، فإن على الوزير الجديد أن يرعى ذلك ويخلق له الآليات اللازمة ويعلم أنه بدون الرقابة الصحيحة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، لا يمكن أن يتم إصلاح حقيقي. والمفتشية هي الأداة الملائمة لذلك.
5. الوزارة.. إنها مكمن الداء. ولن يكون هناك إصلاح ما لم تصلح الوزارة؛ نحن ما نزال عند رأينا بأن إصلاح القضاء يتوقف – قبل كل شيء- على وجود إرادة سياسية صارمة تجعل ضمن أولوياتها إصلاح العدالة وتحدد سنة 2016 سنة للعدالة، وعلى قيام هيئة أركان رباعية الدفع متجانسة ومنسجمة تتألف من:
أ. وزير عدل كفء وصالح.
ب. رئيس محكمة عليا كفء وصالح.
ج. مدع عام كفء وصالح.
د. مفتش عام كفء وصالح.
ومن يقول وزير عدل كفء وصالح يعني وزارة عدل منظمة ونشطة وفعالة وصالحة ترد على رسائل وطلبات وهواتف الناس ولا تأخذ الاجتماعات الروتينية والمشاريع الخيالية والملتقيات السفسطائية جميع أوقاتها.
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو