قالت صحيفة “الباييس” الأسبانية إن موريتانيا وضعت الحرس المدني الأسباني “في ورطة” وذلك منذ فجر الخميس الماضي حيث رفضت استقبال 168 مهاجرا غير نظامي أوصلتهم سفينة تابعة للحرس المدني الأسباني إلى ميناء نواذيبو.
وأضافت الصحيفة – واسعة الانتشار – أن الدرك وقوات البحرية الموريتانية منعا السفينة التي تحمل اسم “رايو راخو” من الرسو في الميناء أو إنزال الأشخاص الموجودين على متنها، والذي يفترض أنهم قادمون من الأراضي السنغالية، وتم اعتراضهم على بعد أكثر من 80 ميلا بحريا (148 كيلومترا) من السواحل الموريتانية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه أثناء إجراء الاتصالات بين سلطات البلدين لحل المشكل تزايد التوتر على متن السفينة، وانتهى الأمر بخفر السواحل الأسبان بإطلاق أعيرة نارية من أسلحتهم في الهواء، في حلقة تردد وصفتها بغير العادية على الإطلاق.
وأكدت الصحيفة الأسبانية أن السفينة بقيت راسية منذ ليلة الخميس في انتظار الإذن، مردفة أنه رغم أن بعض المعلومات أشارت إلى أن زورق الدورية سيتوجه إلى جزر الكناري وعلى متنه المهاجرون، إلا أن وزارة الداخلية الأسبانية نفت ذلك بشدة.
وقالت الصحيفة إن عناصر الحرس المدني الأسباني الموجودين على متن السفينة – التي تعتبر إحدى أكبر سفن الحرس المدني الأسباني – والذين يبلغ عددهم 20 عنصرا اضطروا للمزيد من الانتظار في خليج نواذيبو دون أن يسمح لهم بالرسو وإنزال حمولة السفينة من المهاجرين غير النظاميين.
وأردفت أن طاقم السفينة قام بطهي الأرز، وإطعام الأشخاص الذين تم إنقاذهم وعلاج المصابين حيث إنهم معظمهم كان يعاني من الجفاف، وبعد فترة سرى توتر بين المهاجرين وقاموا بالانتشار، فيما قرر الحرس إطلاق النار في الهواء للسيطرة على المجموعة.
كما أدى هذا الحادث – وفق الصحيفة – إلى استدعاء 16 حارسا مدنيا آخرين كانوا متمركزين في موريتانيا للانضمام إلى طاقم زورق الدورية، حيث عاد الهدوء إلى متن السفينة، وأمضى الذين تم إنقاذهم الليل على سطح السفينة التي يبلغ طولها نحو 53 مترا.
وأكدت الصحيفة أن السفينة بقيت راسية لليوم الثاني على التوالي حيث لم تنجح الاتصالات ما بين السلطات الموريتانية والأسبانية في حلحلة الموضوع.
وذكرت الصحيفة بأن موريتانيا تتلقى منذ العام 2016 أكثر من 10 ملايين يورو سنويا كمساعدة في احتواء الهجرة غير النظامية، مردفة أن الاتفاق الاقتصادي بين البلدين في هذا المجال يعطي تدريب الوكلاء الموريتانيين وشراء المواد اللازمة، من المركبات، إلى قارئات جوازات السفر، والبدلات، ونفقات الوقود.
وأضافت الصحيفة أن أسبانيا تدفع مصاريف كل وكيل موريتاني – وكذا كل وكيل مغربي – يعمل بشكل وثيق مع الحرس المدني في مركز التنسيق الإقليمي في جزيرة كران كناريا.
ورأت الصحيفة أن التعاون بين الطرفين عادة ما يكون بمثابة مثال لأسبانيا، التي التزمت بهذا النموذج منذ عام 2006 بعد ما يسمى بـ”أزمة الزوارق”، لتظهر لشركائها الأوروبيين أهمية تمويل دول ثالثة لإبعاد المهاجرين عن الحدود الأوروبية.
وقالت الصحيفة إن نواكشوط – على عكس الرباط التي تحصل على 30 مليون أورو سنويا – تسمح للحرس المدني بالتحرك على أراضيها لمنع المهاجرين من المغادرة، سواء عن طريق البر أو البحر.
وأشارت إلى ثلث ما يقرب من مائة عميل تم نشرهم في إفريقيا موجودون في موريتانيا في مهام استخباراتية وإجراءات ضد الهجرة غير الشرعية.
وكشفت الصحيفة أن أسبانيا تمتلك أيضا سفينتين ومروحية ودورية برية في البلاد، معتبرة أنه على الرغم من أن الوسائل تتركز إلى حد كبير في السنغال، حيث غادرت عشرات الزوارق في الأشهر الثلاثة الماضية، إلا أن موريتانيا تعد أحد الموانئ الرئيسية لانطلاق المهاجرين واللاجئين المتجهين إلى جزر الكناري.
ونقلت الصحيفة عن مصادر متخصصة في مراقبة الحدود قولها إن موريتانيا من الناحية النظرية، “تمتثل دائما” المضامين المتعلقة بالاتفاق، مردفة أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن أرقام اعتراض المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى جزر الكناري من سواحلها (ما يقرب من 40٪ من الذين يحاولون) تجعل البلاد واحدة من الدول التي تمنع عبور الهجرة، سواء كان ذلك من خلال الاعتقالات أو ترحيل المهاجرين إلى دولهم الأصلية.
وتصف مصادر وزارة الداخلية الأسبانية العلاقة مع موريتانيا بـ”الممتازة”، وتشير إلى أن خمسة قوارب فقط من هذا البلد وصلت إلى جزر الكناري هذا العام، ويضيفون أن هذه الحادثة لن تؤثر على الانسجام الجيد بين الشريكين.
وتردف مصادر وزارة الداخلية – وفق للصحيفة – أن رفض قبول دخول هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 168 شخصًا، بالإضافة إلى كونه غير عادي، يكشف مرة أخرى عن اعتماد إسبانيا على استعداد شركائها الأفارقة (المتغير أحيانا) للتعاون.
وأشارت الصحيفة إلى حديث عن دور للرابطة الموحدة للحرس المدني (AUGC) بتكليف من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” في العملية التفاوضية حول هذه الحادثة، فيما قالت الصحيفة إن مصاد أخرى في الحرس المدني الأسباني ووزارة الداخلية فندت لها هذه الرواية، لأن “فرونتكس ليست لها ممثلية في موريتانيا، وثانيا، لأنها سوف تتجاوز صلاحياتها إذا تفاوضت على إنزال المهاجرين نيابة عن أسبانيا.
وقالت الصحيفة إن سلطات البلدان الثلاث تعتمد في المفاوضات في مثل هذه الحالات على القائم بأعمال وزير الداخلية، فرناندو غراندي مارلاسكا، وعلى وجه التحديد، من المديرية العامة للعلاقات الدولية والهجرة، وهي الإدارة التي يتم عبرها توقيع المذكرات مع الدول الأفريقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأكدت الصحيفة أنه مع فشل مساعي إنهاء الأزمة قرر المهاجرون غير النظاميين الذين تم إنقاذهم الدخول في إضراب عن الطعام ورفضوا تناول الإفطار صباح السبت فيما لم يوضح أي من المصادر التي تمت استشارتها سبب انزعاج المجموعة وتوترها، فيما أشارت الصحيفة إلى أنه بالإضافة إلى ظروف الرحلة المحفوفة بالمخاطر، تعرض العديد من الأشخاص على سطح السفينة، غير المؤهلين لمثل هذه المهام على هذا النحو، لضربات شمس.
وقالت الصحيفة إن أحد الأطفال الذين كانوا على متن السفينة عانى من مستوى حاد من الجفاف وفقا لتشخيص طبي، وهو ما حدا بالحرس لتقديم طلب لموريتانيا بإدخاله إلى المستشفى، وحتى مساء السبت لم تتم تلبية الطلب، على الرغم من إرسال طبيب إلى متن السفينة.
ولفتت الصحيفة إلى أن محاولة الإضراب عن الطعام انتهت بعد توتر أدى لصراع وعدوان عندما قرر أحد المهاجرين الذين تم إنقاذهم تناول الطعام رغما عن إرادة المجموعة المضربة، بحسب مصادر الشرطة. وتدخل الحرس مجددا لكن هذه المرة بدون أسلحة، وتمت السيطرة على الوضع وتعزيز الأمن على السفينة، وبعد تفاوض مع من يبدو أنه قائد الإضراب، تم استئناف تقديم الوجبات.
وأدانت الرابطة الموحدة للحرس المدني سوء ظروف السلامة والنظافة على متن القارب وطالبت “بحلول عاجلة” من وزارة الداخلية.
وأكدت أن الوضع على متن السفينة يصبح أكثر تعقيدا مع مرور الساعات على الرغم من تركيب مظلات بشكل مرتجل على سطح السفينة لحماية المهاجرين من أشعة الشمس، إلا أنه يتعين عليهم قضاء حاجتهم في الدلاء أو في البحر.
كما تتفاقم الأحوال الجوية وفقا للرابطة الموحدة للحرس المدني، إذ لا يمكنهم التوجه إلى جزر الكناري إلا بأمر من مدريد بسبب سوء الأحوال الجوية، كما تم استبعاد إمكانية إعادتهم إلى السنغال.
ومع عدم استجابة السلطات الموريتانية، تبقى السفينة عائمة في خليج نواذيبو.
فيما تؤكد وزارة الداخلية أن السفينة ما تزال تنتظر الإذن بالرسو في ميناء نواذيبو، وأنه لا توجد نية لنقل الأشخاص الذين تم إنقاذهم إلى أسبانيا.