رحلتي عنا وبقينا على شفة الجرف نجمع شتات عقدك المبثوث ,آثرت الرحيل وآمنت بالقدر الذي لا مفر منه, هناك بعيدا سقطت قيثارة وطني من عازفها البارع , وتقطعت أوتار التيدينة باكية , وتمزقت أسلاك آردين الموريتاني ، أسى رحلت وردة من ورود بلادي التي لا تعرف الذبول , رحلت بدون رجعة .
لم يكن رحيل سلطانة الطرب الموريتاني ديمي بنت سيداتي ولد آبه رحيلا عاديا ,بل كان صدمة رجت الوجود ولحن حزين في تاريخ بلادي.
آثرت فنانتنا الرحيل ولم تقل الوداع , لأنها تعرف أننا لا نطيقه فما نحن مع ديمي إلا سكارى يهيمون ورؤسا تطأطأ أمام ملاكها العجيب …
رحلت ريشة الفن وأسطورة الأغنية الموريتانية في عز تاريخها الجميل وإبداعها المتألق دون أن تعرف أنها ترحل وأننا كالصبية لا نقبل رحيل الربيع والذكريات الجميلة…
غنت الفنانة ديمي بنت آبه للوطن ، للإنسان ، فكانت وطننا يسكننا ، وإنساننا يعلمنا ويؤدبنا بحنجرة الفنانة ديمي ، إرتبطنا بالوطن وقضاياه كما أنها غنت لفلسطين فكانت بذلك صوت الحقيقة رغم إكراهات الزمن الرديء.
فما رحيل قيثارة الوطن ورمزها الشامخ إلا واحدة من عاديات الزمن وأنيابه الحادة وتنكر الزمن الجميل .
أكتب وأنا لا أعرف من أين أبدا ؛ فهل أبدا بديمي الوجه الوطني أم بديمي الفنانة التي ارتبط إسمها بالأغاني الوطنية , فهل تذكرون يوم كانت تسير خلف الكتاتيب والجنود وهي تشدو كلمات عميد الأدب الموريتاني “محمدن ولد سيدي أبراهيم ” في رائعته “يا موريتان اعليك أمبارك لستقلال .
أتذكرون يوم كانت تعانق العملاق “احمدو ولد عبد القادر”في قصيدته الخالدة “ريشة الفن بلسم وجراح” ؟ اتذكرون يوم كانت تهدهد بروائع الأدباء الكبار أمثال “ولد الكصري و ولد آدبه وغيرهم …
اتذكرون يوم كانت تخاطب بلسان الحبيب لحبيبته في رائعة “ولد المعلا” ” أمن أمغني كافيك وآجلاج ” ؟
أتذكرون يوم غنت بنت الصحراء بكلمات الشاعر الدمشقي “نزار قباني “في محا ولة منها لربط الثقافات بين الشعوب , ولتعثر على هوى يسكن كل واحد منا معلنة ميلاد مدينة الحب والسلام بدواخلنا ,كاسرة بصوتها جدران مدائن آلامنا وأحزاننا ؟ .
لم تكن الراحلة طيف مر من هنا ذات يوم بل كانت اكثر من ذلك , فهي قنبلة إنفجرت في سماء الفن الموريتاني الآصيل , وكوكب سقط من علياءه ليطف ء النجوم ويضيء للآخرين .
ظلت الفنانة الموريتانية ديمي , بنت وفية لوطن لا تزال كتاتيبه تزحف على إقاعات أنامل البيت الذي ولدت فيه , وأعذروني إذا قلت إنها كانت وترا وايقاعا عزفته نشوة الإستقلال وتحضيرات بداية النشاة ..
أكتب وأنا في إرتباك لم أعرفه من قبل عاجزة اناملي عن الكتابة وباكية مستبكية هي مخيلتي , ومرتبك لساني عن النطق والبوح لشدة الصدمة في وفاة ملهمتي وسفيرة بلادي , والحن الذي طالما سهرنا معا, وسافرنا معا, واعذروني اذا بدوت حزينا فإن وجه المحب وجه حزين , فربما رحيل زريابة بلادي بداية موت الوتر وثورة على القمر و الآن وأنا أعصر قلبي ألما مؤمن برحيل شهرزاد بلادي الشخص إلا أن هناك من لم يمت جوهرة وطني السوداء الفنانة ديمي بنت آبه … وقد مددت يدي بالذل مبتهلا
إليك ياخير من مدت إليه يد
هنا أرفع يداي وأعانق السماء مرتجيا الرحمة وفردوس الجنان للفنانة ديمي بنت سيداتي ولد آبه فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف ..مات شهريار ورحلت شهرزاد.
بقلم الصحافي : الشيخ المهدي ولد النجاشي.