د. السالم التلاميد يكتب: الأمن نعيم لا يحس وجوده ولا يحمل فقده

يقول المثل البريطاني القديم ( إن الأمن المطلق وهم مطلق Absolute security is an absolute illusion) ومع ذلك فإن من أصعب المسؤوليات والمهام وأدقها على الإطلاق هي جهود بسط الأمن وتوفيره لكل الأفراد والمؤسسات والتي لاتكون فعالة إلا عندما تتحد الإرادات والأهداف وتصبح مسؤولية الجميع ، كما أن الشعور بالأمن أيضاً والاحساس به هو تعبير مجتمعي يتقاسمه كل المجتمع، وهو مايعرف بأمن الجيره
‏(neighborhood security) فمالك يكن الجار آمنا فلا أمن لمجاوره ،
من هنا يتوجب الإيمان أن أمن المنشآت الحيوية ليس مسؤولية حصرية على الحرس أو الشرطة والأمن العام ولا حتى على جهات الشركات الأمنية المتخصصة في تأمين وحماية المنشآت العامة أو الخاصة الهامة ، والتي من ضمنها بطبيعة الحال المؤسسات العقابية والإصلاحية ، فهو مسؤولية مشتركة بين كل القطاعات السيادية والخدمية مثل؛ قطاع العدل والداخلية وقطاع التخطيط العمراني والأشغال العامة والتجهيز والهندسة والإسكان، والتخطيط الاستراتيجي ، والتحول الرقمي وشركات الاتصالات المحلية والحماية المدنية،
من نواحي اختيار المواقع ونوع البناء والتصميم والصيانة والمواصفات ونوع الشوارع والممرات والسيارات والحواجز والجدران العازلة والأبراج وانظمة الرقابة والبوابات الإلكترونية،
وقد اصبحت بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تخصص جزراً بحرية لسجن المحكومين من ذوي الخطورة المجتمعية أو الأحكام المؤبدة أو شبه المؤبدة،
وذلك نتيجة للتحديات المتمثلة في تعدد حالات الفرار، كما قامت بريطانيا بمنع حضور السجناء الخطرين على المجتمع من أصحاب السوابق والسلوك السيئ لقاعات المحاكم واعتمدت مايعرف اليوم بالمحكمة الافتراضية
‏virtual court) كما تقوم دول أخرى بتشييد سجونها في مناطق وعرة يصعب الوصول لها،
فضلاً عن اتخاذ حزمة من الاجراءات الضامنة للأمن والسلامة منها على سبيل المثال التفتيش الدوري، وتغيير عناصر الحراسة من رؤساء ومرؤوسين بحيث لا تتجاوز مدة خدمة الضابط أو الفرد مدة ثلاثة إلى ستة أشهر على الأكثر بذات المكان، تجنباً لبناء العلاقات غير الصحيحة أو التعاطف اوحتى التعود على مناخ تطبعه الخطورة والتوتر فينعكس ذلك على سلوك الفرد ويصيبه بنوع من التراخي،
إضافة إلى تحديث أنظمة الإقفال واستخدام برامج الذكاء الاصطناعي في الحجز واعتماد بصمة الوجه وانظمة الانذار المبكر، والبوابات الأمنية ذات التحكم عن بعد وتعدد حلقات الرقابة والتفتيش اثناء الدخول والخروج، والرقابة بواسطة الدوائر التلفزيونية المغلقة CCTV
والاستعانة بالتجارب الرائدة في هذا المجال ،
ولا يمكن بحال من الأحوال أن نتصور عملا كهذا من قبيل الجرم العرضي أو Lone wolves الذئاب المنفردة فهو بقراءة تحليلية لما يعرف بالأسلوب الإجرامي يظهر بكل وضوح انتفاء أي فرضية للتفرد أو العشوائية بل يظهر التخطيط المسبق والتدرب بنظام rehearsal أو البروفات التدريبية على العملية بحيث تم اختيار التوقيت واختيار عناصر المناوبة الذين ستتم مواجهتهم وسيكشف التحقيق مفاجآت أخرى من جانب الجناة وفق ماهو معلوم في ABC البحث الجنائي وتضييق دوائره، ومكافحة الإرهاب، فإن الجناة عادة لا يتحركون عشوائياً، دون خطة بل ولا ينفذون عملياتهم دون وجود عمليات إسناد خفية backup ضمن مايعرف بحماية خط الرجوع flashback .
صحيح أن يد الأمن ستصل لكل من له صلة بالموضوع عاجلاً حيث نأمل أو آجلاً بالتأكيد وبحكم ما يملكه جهاز الشرطة من خبرة ومهنية عالية وتجارب في هذ الصدد وغيره، فضلا عن أن الحرب على الإرهاب قد قضت على الملجأ والمنجأ،
مع ذلك فإن هناك ما يجب القيام به مثل العمل بروح الفريق من أجل تقييم أهم المخاطر التي تهدد أمن وسلامة المنشآت الحيوية ودور الأجهزة الوطنية في محاربتها ومنع مخاطرها. عبر اتباع نظم تحلل الأساليب الحديثة التي تستخدمها المنظمات الإرهابية لخرق أمن وسلامة المنشآت الحيوية. ومراجعة مساطر وخطط تأمين المنشآت الحيوية ضد التخريب والتسلل والاقتحام بالاستعانة أحدث وأفضل الأجهزة والمعدات الحديثة المستخدمة في ذات السبيل وبرامج ودورات التدريب التي تقدمها بيوت الخبره العالميه وهي سهلة ومتاحة وذات فاعلية . مع إمكانية وضع نظام حديث لكل مدينة يكون عبارة عن بوابات دخول مرئية أو خفية مزودة بكاميرات تسجيل بمزايا نوعية تسجل بالصوت والصورة كل داخل وخارج ومثبتة على كل مدخل ومخرج وترتبط بشاشات وبنظام مركزي لدي غرفة العمليات وترسل إشارة كل ما مر عليها شخص مشتبه أو مطلوب أو آلية مشتبهة أو مطلوبة وذلك من خلال التعرف على بصمة الوجه أو أرقام الشاسي للمركبات ولوحات الأرقام ،
وهناك أساور وشرائح المراقبة وانظمة الهواتف المحمولة الخاصة بتتبع الاحداثيات وتحديد أماكن الأشخاص كل ما استخدموا أو وضعوا هواتفهم في وضعية التشغيل وأنواع أنظمة التتبع نظام حماية السياج. مجسات الحركة. وتطوير معايير الإضاءة الفعالة واستشعار حرارة الأجسام عن بعد. وخصائص أتمتة معايير ارتفاع الإضاءة عن قرب الأجسام الحارة منها ومعايير حواجز الأمان أنواع الحواجز الأمنية وربطها بالكاميرات وأجهزة استشعار الحركة (التتبع) والأنظمة الإلكترونية. بحيث يتم تحقيق أمن المنشأة كحلقة تأمين شاملة للدولة ، ولا يقتصر الأمر على المنشآت العقابية والاصلاحية أو السجون بل يرتبط بجميع المنشآت الحيوية البرية والبحرية ،حتى يتم تحقيق التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية وأجهزة أمن الحكومة بأفضل طريقة للتعامل مع تقارير أو توقعات التهديد بإحداث أزمات بالمنشأة. وهذا ما يتطلب الإلمام بفن التنبؤ بالأزمات أو Crisis prediction والعمل على حسن إدارة الكوارث والأزمات والطوارئ. كتهديد لأمن وسلامة المنشآت الحيوية وسبل الوقاية من شتى أوجه الأعمال الارهابية مثل الحرائق والقرصنة والخطف والارتهان، وتسميم المياه وتسميم الأجواء وجلب الفايروسات والأوبئة وحصر المخاطر المحتملة من خلال إجراء التحليل البيئي الداخلي والخارجي SWOT لبيان (نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات )وتقييم الوضع الأمني الحالي على ضوء ذلك ووضع استراتيجية للقضاء على الثغرات الأمنية ورفع مستوى الأمن وحماية الأهداف والخطط وتحقيق الجاهزية ورفع مستوى مهارة القيادة والإشراف على العناصر التي تشكل نظام التأمين المتكامل. وإعداد الاستراتيجيات والخطط الأمنية والتنسيق مع وكالات الأمن الحكومية في مواجهة التخريب والإرهاب. وتطوير نظام وقائي للمخاطر التي تهدد أمن المنشآت العامة. على ضوء التقييم المستمر • ورفع مستوى الوعي الأمني ، مع أهمية وجود وتطبيق خطط الطوارئ والإخلاء على مختلف المستويات في المرافق المهمة.
العمل على البناء والتصميم والإدارة لتحقيق واستيعاب كافة المفاهيم الحديثة.
تشخيص الأزمات السابقة واستخلاص الدروس منها.
تحديد أسباب ومراحل نشوء الأزمة. إعداد قواعد بيانات data base للأزمات وترتيبها وتبويبها وتغذيتها رجعياً من قبل جهات العدل والأمن والداخلية ،
توفير مصفوفة تقييم المخاطر
‏(risk assessment matrix )
ومراجعتها وتحديثها دورياً،
لا يفوتني أن أشير إلى أن القبض على مجموعة خارجة على القانون ومسلحة بشكل جيد نسبياً يمثل تحدياً كبيراً ولا سيما في مجال الحفاظ على أرواح الناس ، من هنا وجب التعاون مع جهات أمنية محترفة في مجال دحر الإرهاب وخاصة عمليات القبض والمداهمة التي تتطلب استخدام الغازات المنومة أو المخدرة والمؤثرة على الأعصاب حتى يتم تحييد الخطورة وعزل السلاح عن المعركة.
وأخيراً كتابة سياسة وطنية لاستخدام القوة تحقق التناسب بين التهديد والدفاع وتحدد عناصر مأموري الضبط القضائي أو رجال نفاذ القانون الذين تتطلب وظائفهم حمل السلاح من خلال قياس مستوى القدرة على حمل السلاح واستخدامه على الوجه المناسب والضامن لأمن الفرد والمجتمع.
أدام الله علينا نعمة الأمن والأمان.
د. السالم التلاميد.

Exit mobile version