شاهدت قبل أيام ملتقى للكفاءات الموريتانية المهاجرة ، حظي برعاية رسمية كبرى ، كان قصر المؤتمرات يعج بالنشاط ، وحركية الحضور ، رئيس الجمهورية يفتتح اللقاء ، والوزير اﻷول يختتمه ، سهرة ليلية تحتفي بالضيوف واﻷدمغة الكبيرة التي تزمع الدولة ركوبها في معركة التنمية ، الوزراء والمسؤولون السامون يتوزعون على الطاوﻻت ويتبادلون أحاديث الوداد والترحيب ، كان الحضور ملفتا في كمه ، مقنعا في نوعه، أعداد هائلة من شبابنا وشاباتنا قادمون من مختلف جهات العالم ، أوعية علم ، وحقائب مليئة بالخبرة ، تفتح وتنثر محتوياتها لتعزيز تنمية موريتانيا ،
ﻻ شك أن لﻹنسان ( الخبير) دور اساسي في التنمية ، فهو مادتها اﻷولى ، وأداتها التي تمتلك الرؤية و تعد التصور و تطرح الخطة و تتابعها في مراحل التحضير والتنفيذ ، وامتﻻك موريتانيا لنواصي هذا الكم الكيير من الخبراء رافعة أكيدة لتوديع التخلف ، بشارة أبرقت واشعلت في النفوس أمﻻ بوﻻدة موريتانيا الجديدة ، المليئة بالمصانع التي تنتج القيمة المضافة ، وتخلق فرص التشغيل ، أبناء البلد يلبون دعوته ، يتقاطرون عليه معلقين مهامهم وأعمالهم الحساسة في بلدان عديدة ،
تابعت الموضوع بلهفة المتعطش الى تغيير الحال ، ﻻحقت التفاصيل في اللقاءات الجماعية ، وفتشت عنها في كلماتهم أمام الكاميرات ، وفي استضافاتهم اﻹعﻻمية ، جنود يتحرفون لمنازلة عدو طالما سئمنا قبحه و بطشه ، الخطة هي الحلقة اﻷولى من أعمال الجيش إذا ما رام المواجهة ، فكرت في أن أقوم بدور ما إذا ما اشتعلت هذه الحرب المقدسة ، أزفت ساعة إنطﻻق الصفارة إيذانا ببدإ تشغيل محركات الماكينة التي سينهزم التخلف تحت وابلها، ويستدبر موريتانيا الى وجهة أخرى ، سيندحر العدو فالقوس اليوم في يد باريها .
تعلقت بهذه الجحافل ، ألصقت سمعي وبصري بالقنوات الموريتانية باحثا عن مكاني في معركة الخبراء ، ﻻ يمكن لهذا الشرف أن يفوتني ، لقد أناخ فينا عهد جديد ، رماله ذهب ولجين ، وبلله عطر وكافور ، موريتانيا جنان خضراء ، أنفاقها وجسورها تمﻷ المدن ، عمارات شاهقة بأشكال هندسية بديعة مثلثات ومكعبات وألوان وواجهات زهية ، مصانع هنا وهناك ، آﻻف وآﻻف يلبسون بدﻻت بيضاء ووجوههم مغطاة بأقنعة خضراء يدخلون ويخرجون الى تلك المصانع ، حواسيب معلقة بالجدران ومعدات ثقيلة أصواتها مدوية ودخانها كثيف ، حتى الصحاري و الرمال المتحركة تقطف منها الثمار والتمور، و البحر تراجع تهديده و انخفض مستواه عن المدينة ، واﻷسعار ما بالها لم تعد كما كانت مزعجة و قوية ، مصانع اﻷغذية واﻷدوية والسيارات والمفارش ، كلها تعمل بوتيرة عمﻻقة ، دول العالم باتت اليوم تتأهب للتسول على موائدنا ،
الخبراء جاهزون ، ومتأكدون من نجاعة جهدهم ونجاحه ، ما أجمل هذا العرس ، موريتانيا تختال في الزينة والحلل يزفها أبناؤها للتقدم ، ولد التاه و ولد محمد عالي واب ، والادمغة المهاجرة ، سمر طويل ، تصفيق وزغاريد ، وضرب للدفوف ، الخبير كالساحر تماما بهمهمته ونفثه وبطﻻسمه قد يحول اﻷمر من حال الى حال ، هكذا أفهم الخبير انطﻻقا من ثقافتي المتواضعة ، هو كائن غامض ﻻ يقهر ، قد يحول ( توكه) بتمتماته الى أقراص أدوية تباع في الصيدليات ، وقد يبدل الطين بلمسة خاطفة الى مواد للنظافة والزينه ، ونحن اﻵن على عتبة التحول الذي سيصنعه الخبراء ، ربما يأخذون جينات من آمريكا ويصنعوا موريتانيا جديدة بأبراجها ومطاراتها وديمقراطيتها مستنسخة من آمريكا ، كالنعجة ( دولي )’ او ربما مجرد حقنة في وريد موريتانيا تفعل المستحيل ، أنا ﻻ أفهم تحديدا ما طريقة التحول لكنني متأكد من وقوعه ، فالخبراء يعتمدون على العلم والمعرفة ، اوهم من جنس سحرة فرعون وهامان ، و بناة الصرح ،
قناة الساحل استضافت مجموعة من هؤﻻء ، تابعت ما يقولون ، تنفست بعمق كبير ،أخذت القواميس ، وفتحت الحاسوب أوصلته بالنت ، ﻷنني جد مهتم ، قد أحتاج الى تفسير مصطلح او فك لغز ،أو قراءة تميمة ، أنا أتا بع الخبراء ، هم كالطيور كﻻمهم زقزقة وغموض لكنه عميق الدﻻلة ، وعملي ومحسوب ، اكملت اﻹستعداد بما فيه استخدام وسائل اﻹتصال واﻹستعانة بصديق ، ﻻ بد أن أفهم الخطة كيف ومتى والى ماذا ؟
تربع الضحفي المحاور على عرشه ، تملكه الزهو وتفتحت أسارير وجهه ، إنه في حضرة الخبراء ، شذى الورد يفوح في جوانبه ، المقاعد مرتبة ، وعلب المشروبات والكؤوس ، وهم يحيطون به كالطيور المتأنقة ، لكل واحد منهم نظارات ، و امامه اوراق وفي يده قلم ، اشكالهم تبعث على الثقة واﻹرتياح قادمون من وراء البحر ، المحاور بدى متهيبا ليس في ضيافته ساسة وﻻ وزراء وﻻ نواب وﻻ شعراء ، انه يحاور أخطر المخلوقات وأمهرها ،
توردت المﻻمح ، تكلمت المآقي وصرخ اللسان ، ازدواجية التجنس والسماح للخبراء به -لانه سيحافظ لهم على العمل في مهاجرهم والتواصل بسﻻسة مع البلد اﻷصلي – مسألة أخرى أكد عليها الخبراء في مداخﻻتهم وهي أن من تعرف ؟ أهم في عالم اليوم من ماذا تعرف ؟ ملمحين ﻹمتﻻكهم عناوين عديدة في مختلف جهات العالم ، متنصلين في بداية اللقاء من صفة الخبير التي تتحدد في ضوء ما ذا تعرف ؟
إن من تعرف ؟ مسلك السماسرة ، وﻻ يمكن اﻹعتماد عليه في التنمية ، مد أبو حنيفة رجله وقتذاك ، انتهت اللهفة والترقب ، تﻻ شت تلك اﻷنواء الجميلة ، ومات الحلم مع الكلمات الباهتة ، والرسائل المبطنة التي تخط طلبات للتوظيف وتوسﻻت لانهاء رحلة اﻹغتراب ، فخبراؤنا اليوم مزاحمون بدون اضافة ، تبدد اﻷمل وخبت اشراقه ، موريتانيا ستظل كما كانت ، والحل السحري لقضاياها لن يفلح مع هذا المسلك التمثيلي ، لقد آن لنا أن نتوقف عن تضييع الوقت ، وان نتعلم الجدية و نبتعد عن إغراق المواطن في السراب ، فهو ﻻ محالة سيتعرف على الحقيقة ، و سيطحنه واقعها المر ، وسيظل على ارضها وتحت سمائها ، وسيحاسب على هذا اﻷسلوب الفج ، وسينطق التاريخ بأحكامه القاسية على هذا المنهج المريب ، انشاءات عديدة وبنى كبيرة تدشن ويعاد التدشين وينسى اﻷول والثاني فتدشن وتدشن ، ومستويات الهرم السلطوي شاهدة تترأس اﻻحتفال في كل مرة واحدة من درجاتها ، لكن المشروع المدشن يظل في بدايته منتظرا التدشين والتدشين مع تجدد كل مناسبة وطنية ،
وﻻ شك أن جمع الخبراء سيلتئم مرة اخرى ، وأن آماﻻ ستولد في ذلك الوقت ، و ستنطلق حناجر اﻹعﻻميين ملحنة أناشيد التعمير والبناء ، وسيصفق الساسة في سمر حالم ، لكن شمسا جديدة ستشرق ، حينها سيقول المواطن بصوته الوطني الشجاع بأن مغني الحي لم يعد يطربه