«المُتلَقّحون لن يموتوا خلال سنتين»!! / عماد الدين حسين

«جميع الأشخاص الذين تلقوا تطعيما ضد فيروس كورونا سيموتون حتما خلال سنتين».
هذه هى التدوينة أو الكذبة الكبرى التى انتشرت فى العالم كالنار فى الهشيم، وسببت حالة من الهلع والفزع بين كثيرين من مستخدمى السوشيال ميديا فى الأيام الماضية.
تفاصيل الكذبة المعدة بعناية تقول إن عالم الفيروسات الفرنسى الأشهر لوك مونتانييه، الفائز بجائزة «نوبل» فى العام 2008، قال إن جميع الأشخاص الذين تلقوا تطعيما ضد فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيدــ 19»، سيموتون حتما فى غضون سنتين.
من اختلقوا الكذبة نسبوها إلى واحد من أشهر علماء الفيروسات على مستوى العالم، وهى مصحوبة بصور ومقطع فيديو قصير يحمل ترجمة مفادها أن العالم الفرنسى مونتانييه قال ذلك الكلام، وشرح الأسباب التى تؤيد الخلاصة التى وصل إليها.
ومن بين العبارات الواردة فى التدوينة المكذوبة جاء ما يلى نصا: «ليس هناك أى أمل، وليس هناك أى علاج ممكن، لأولئك الذين تم تطعيمهم فعليا. وينبغى أن نكون مستعدين لإحراق الجثامين»!!
ثم يعود مؤلف ومخترع الكذبة للقول: «إنه بجانب تصريحات مونتانييه، هناك تأكيدات سابقة لعلماء فيروسات كبار قاموا بدراسة مكونات اللقاحات، تؤكد كلامه بأن جميع الذين تلقوا تطعيما سيموتون، بسبب اعتماد أجسامهم على تعزيز الأجسام المضادة»!!
وبمجرد نشر هذه التدوينة، تم مشاركتها وتبادلها بسرعة قياسية فى بلدان مختلفة حول العالم. وبسبب خطورتها فقد بادرت العديد من الجهات إلى تكذيبها، محذرة من ترويج محتواها بين الناس.
وكالة «رويترز» بثت تقريرا قالت فيه إنها قامت بالاستقصاء حول التدوينة، لكنها لم تعثر على أى دليل مستقل يثبت أن العالم الفرنسى، قد أدلى بمثل ذلك الكلام الخطير.
مختلقو الكذبة يلعبون على أن القراء، لن يبحثوا وراءهم بجدية، والبعض يكتفى بقراءة العنوان فقط، والبعض لا يعرف اللغة الإنجليزية.
ولو أن أى شخص قرأ التدوينة بهدوء فسوف يكتشف مثلا أن الروابط المصاحبة لها لا تقدم أى إثباتات للخبر. كما أن مقطع الفيديو القصير يظهر فيه مونتانييه متحدثا بشكل عام عن سلالات ومتحورات ولقاحات كورونا، لكن الترجمة المصاحبة على الشاشة، تتحدث عن شىء آخر تماما يتعلق بأن المطعمين سيموتون فى غضون سنتين!!
دول كثيرة سارعت إلى بث رسائل تحذيرية تؤكد على أن العالم الفرنسى لم يدلِ أصلا بهذا الرأى، وكانت الهند فى مقدمة هذه الدول، وناشدت حكومتها مواطنيها قائلة:
«لا تعيدوا نشر تلك التدوينة»، والسبب أن فيروس كورونا انتشر فيها بصورة وبائية، وصارت الدولة الثانية بعد أمريكا بعدد إصابات يزيد عن 28 مليونا، وتحتل المركز الثالث فى عدد الوفيات بعد أمريكا والبرازيل بأكثر من 338 ألف حالة وفاة، ومؤخرا انتشر فيها الفطر الأسود بصورة وبائية.
الخرافات والأساطير المتعلقة بالمخاوف من اللقاحات ما تزال سائدة ومسيطرة ومنتشرة، ليس فقط فى الهند ولكن فى معظم بلدان العالم، لدرجة أن بعض الناس ما يزالون يصدقون أن الفيروس واللقاحات مجرد اختراع من شركات ومؤسسات دولية كبرى، تريد بيع اللقاحات، أو تخفيض عدد السكان، أو زرع شرائح فى أجسادهم للتجسس عليهم!!
والأخطر أن هذه المخاوف ليست قاصرة على الأميين وغير المتعلمين أو حتى القاطنين فى مناطق ريفية أو غير متحضرة، بل المشكلة الأكبر الفوبيا من اللقاحات وصلت إلى قطاعات من المتعلمين والأكثر خطورة أن عددا كبيرا من الأطباء حول العالم يؤمنون بهذه الأساطير، بل ويروجونها ويقنعون المواطنين العاديين بها. وسمعنا قبل أسابيع وزيرة الصحة دكتورة هالة زايد، تقول إن نصف الأطباء فى مصر رفضوا تلقى اللقاح، وهو أمر فى منتهى الخطورة، فحين يحدث ذلك بين الأطباء، فكيف يكون الأمر بين المواطنين البسطاء الذين لا يريدون حتى ارتداء الكمامة؟!!
الذين ألفوا واخترعوا الكذبة الأخيرة يدركون تماما هذا الواقع الصعب، ويلعبون عليه بمهارة شديدة.
هم نشروا وروجوا كذبتهم، ويدركون أن نفيها سيتم بعد دقائق من نشرها، لكنهم يدركون أن كثيرين ممن سوف تصلهم هذه الكذبة، لن يصلهم التكذيب، وإذا وصلهم فلن يصدقوه، وربما سيترك عندهم شعورا مستمرا من التشكك فى أهمية اللقاحات.
اللقاحات فى منتهى الأهمية لكل الناس، وحتى لو كان بعضها ليس فعالا بصورة كبيرة، فعلى الأقل سيجعل أعراض الإصابة بالفيروس أخف كثيرا، كما يقول كبار الأطباء المتخصصين فى كل العالم.
والحقيقة المؤكد حتى الآن أن من بين كل مليون تلقوا اللقاح فى العالم، لم يمت إلا خمسة أشخاص فقط.

عماد الدين حسينعماد الدين حسين كاتب صحفي

Exit mobile version