لا مراء فى تصدر وسائط التواصل الاجتماعي و “الشاشات المحمولة” كل الوسائط الاتصالية عالميًا فى مجال التأثير السريع و العريض على الرأي العام و هو ما يُترجمُه الارتفاع الصاروخي لمتابعيها و الإقبال الكبير لكل صَنَعَةِ الرأي العام على استخدامها لأغراض علمية و تعليمية و سياسية و إدارية و تجارية و أعْمَالِيَّةً،…
و من آيات تأثير وسائط التواصل الاجتماعي أن أحد أهم المعايير الترجيحية فى انتقاء الموظفين السامين بالمنظمات الدولية و كذا الإدارات العمومية و الخصوصية فى كثير من دول العالم هو “عدد المتابعين -Nombre de followers”!!.
و من الملاحظ تزايد عدد “المُنتجين” و المتابعين لوسائط التواصل الاجتماعي ببلادنا و إن كان مازال من المستغرب ضعف إنتاج النخب السياسية و الإدارية عبر الوسائط الإعلامية الجديدة لأسباب منها “واجب التحفظ” فقليل من السياسيين و كبار الموظفين المنتسبون لوسائط التواصل الاجتماعي و أكثر المنتسبين منهم متابعون “على الصامت”.
و قد أدى غياب جل القادرين ببلادنا على إنتاج الأفكار من السياسيين و الموظفين السامين عن الإعلام الجديد إلى شبه ضياع الجهود التنويرية لبعض الساسة و الموظفين المنتِجِين للأفكار على وسائط التواصل الاجتماعي بفعل كثرة الغث و الرديئ و الهابط من الإنتاج الوطني على وسائط التواصل الاجتماعي.
و التحية واجبة و التقدير مستحق لقلة قليلة من كبار الساسة و المثقفين -سِنًّا و سَنًا- الذين يشكلون اليوم استثناء من خلال استخدامهم لهذا الفضاء الأزرق و تقاسم تجاربهم -حلوها و مرها،ناجحها و متعثرها-مع الأجيال الجديدة و يصرون و يصبرون على ذلك رغم بعض الشطط و الأذى و سوء الفهم و “الجزاء السنماري” من بعض “المعلقين القُصَّر ” على صفحات هؤلاء “المجاهدين اجتماعيا بالكلمة الطيبة”.
و لأن وسائل التواصل الاجتماعي هي أنجع الوسائط فى عالم اليوم لإبلاغ الرأي العام و التأثير عليه فإن غياب معظم كبار الساسة و الموظفين عن الفضاء الافتراضي -على عكس كبار الساسة و الموظفين السامين بالعالم أجمع-تضييعٌ لفرص عديدة و ترك للرأي العام بأيدى (لوحات مفاتيح)جماعات من المدونين و المغردين يتفاوتون فى مستويات التقيد بالمسؤولية و المهنية و الأخلاق و النأي عن الشعبوية و الانتخابوية.
وفى تقديري أن الإجراءات التالية يتعين تشجيعها:
أولًا-استنفارُ النخب السياسية و العلمية و الثقافية و الإدارية من أجل اغتنام فرص الإعلام الجديد المُيَسَّر و المجاني تعليمًا و تنويرا للرأي العام الذى هو فى أمس الحاجة إلى الضبط و الترشيد و التحصين ضد طَوَافِينِ الشائعات و الدعايات الضارة بالوحدة و الأمن و الانسجام.
ثانيا-إعادة تعريف و ترسيم حدود “واجب التحفظ الإداري”أخذا بالاعتبار التطورات المتسارعة لعالم الاتصال و الإعلاميات بحيث لا يفسَّر واجب التحفظ بأنه عِقَالٌ للموظفين السامين يحرم الشأن العام من إسهامهم و ترفيعهم للنقاش و إمدادهم المشهد العمومي بالأفكار البناءة و البانية؛
ثالثًا-إلزام فئات من الموظفين السامين نظرًا لحساسية المهام الموكلة إليهم بفتح “حسابات مهنية des comptes professionnels ” منفصلة عن الحسابات الشخصية ينشرون عليها حصريا كل ما يتعلق بحياتهم المهنية إخبارًا و تحليلًا و نقدا أَمْلَسَ للمرافق العمومية ؛
رابعًا- تحرير تعميم إداري يوضح ضوابط “الاستخدام الأمثل”لوسائط التواصل الاجتماعي و يحض على ذلك و يوضح فى ذات الوقت للموظفين العموميين العقوبات التأديبية التى ينبغى أن تكون صارمة و عادلة و الموجهة لردع الإخلال بواجب التحفظ الذى يشمل “كتمان كل ما هم مصنف سرًا مهنيا،الحفاظ على هيبة و سلطان الإدارة و الامتناع عن أي قول أو فعل أو مجلس أو ملبس قد يخدش من هيبة المرفق العام”.
——————————————
*مقال نشر من قبلُ(عام 2020)و إن مازال صالحا تشخيصا و توصيات .