تحتاج المجتمعات في رحلتها لتحقيق التنمية المتكاملة والمتجانسة إلى رعاية وتوجيه وإرشاد من كافة نخبها السياسية والمدنية وبالأخص السياسية لأن العمل السياسي بمثابة قطب الرحى لأي تنمية إنسانية، والركيزة الأساسية لخلق قنوات كفيلة بتدبير حاجيات المواطنين اليومية في شكل يتحقق معه التوازن بين ماهو إجتماعي وإقتصادي وسياسي
وينصرف الذهن غالبا عند الحديث عن التنمية إلى التعريف الكلاسيكي لهذا المفهوم الذي يجعل منه مقياسا للإنتاج المادي وهو تفسير قاصر لإقتصاره على الجانب الإقتصادي فقط ،وإغفاله الإهتمام بالإنسان الذي هو المحور الأساسي للتنمية .
وأمام الإمتعاض الكبير للعقلية العامة في نظرتها لماهية السياسي يتدافع إلى الذهن تساؤل وارد ، مامعنى أن تكون سياسيا ؟؟
إن الصورة النمطية التي تتجذر في ذاكرة العامة للسياسي هي تلك الشخصية التي تسعى إلى الكراسي بأية وسيلة،تبيع الوعود دون قياس المسافة بين إطلاقها والوفاء بها ، تلك الشخصية الساحرة التي تحيل سراب الصحراء مروجا وأنهارا حتى إذا جاء المواطن المنهك من أحلام اليقظة ، وطول السُٓرى ، والتنقل بين ساحات الصراع والمواقف لم يجد شيئا
وكأنه ينشد في كل خطاب ونهج قوة عصا موسى لتتلقف حبال وعصي من أرهقوه وعودا وبروقا ورعودا لا تتحقق ولا تمطر إلا حيث يريدون ،
(( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ)) .
وبين تلك النظرة السائدة وبين فصول التنظير والتطبيق تضيع أحلام وتضمحل آمال بل الأدهى من ذلك هو غياب الثقة بين السائس والمُسيَّس بين المجتمع بجميع مكوناته وسلطه التشريعية والتنفيذية
لهفي على مجتمع لا إنصاف فيه حتى للمصطلحات !!
الرحم فيه معلقة بالتبعية السياسية
والإرشاد فيه حسد او ضغينة للأفراد والأسر والجهات
وشراء الذمم مكرمة ، والمن فضيلة والنميمة سبيل للربح والمكافأة !!!!!
ووحدته وتماسكه ورقة يناصيب رابحة !!!!!!
متى ترعوي تلك النخب السياسية عن غيها وتبصر الصواب بعين الواقع
وتدرك أن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
(( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم . أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)).
ألم يأن أن تنأى المؤسسات السياسية بنفسها عن الخلافات الضيقة والتي لا تحترم المكانة والكفاءة التي يتطلع إليها الشعب ، والتي تسعى دائما وراء تغييب ممنهج للقدوة الناضجة من أبناء هذا البلد ولايمكن أبدا أن يكون تغييب الأصول سبيل للوصول !!
أتمنى من فخامة رئيس الجمهورية أن يسارع للعمل من أجل تغيير النظرة السائدة لكل سياسي عبر :
-أولا تجديد الطبقة السياسية مضمونا وشكلا ، والسمو بالخطاب السياسي لتكون الوطنية محوره الأساسي
فكيف ننتظر النصح لكم من طبقة سياسية الولاء في الغالب فيها للجيب ، أو لأفراد ، أو لجهات داخلية وأحيانا خارجية ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بفتح قنوات إتصال مباشرة بينكم وبين المواطنين
فلماذا سيدي الرئيس لا تستنون سُنة حسنة بتخصيص ساعات ولو بشكل شهري تلتقون فيها ببعض مواطنيكم من هيآت شبابية او مدنية لتسمعوا منها وترشدوها ولتقرب إليكم الواقع بعين المشفق على آمال مجتمع منهك من وعثاء السفر بين الترحيل وساحة (( القصر )) وليأخذوا منكم جذوة الحقيقة لينيروا بها دروبا أظلمتها الشائعات والأكاذيب والتأويلات.
-إنشاء هيئة إعلامية شبابية تتبع لكم شخصيا وتحت إشرافكم من أجل إصلاح ما بات يعرف بالإعلام المحمول ” وسائل التواصل الإجتماعي ” والأكثر فعالية في توجيه وإرشاد وإنارة الرأي العام
وأنتم تدركون جيدا ما خلفه التباعد الإجتماعي وإغلاق المدارس والجامعات من إقبال على هذه الوسائل وما نتج عن ذلك من إعتماد إنتاجها لدى الغالبية .
إن إرساء دعائم دولة العدل والمساوات باعتبارها السد المنيع ضد التطرّف والتمزق والسبيل الأوحد للبقاء في القلوب قبل الكراسي وبعدها ، لا يمكن دون جهاز سياسي وإعلامي ناضج سلاحه العلم والإخلاص وغايته الإرتقاء بالمواطن ، وأظنكم تدركون أنه لا ولاء لحزب ، ولالوزير ولا لمدير كلا ، وإن قال قائل هؤلاء أولى وأحق من العامة فأعتقد أن تجربتكم ، ثقافتكم ، تربيتكم، سترد عليه أن الرعية تبع لإرادة الراعي .
محمدفال طالبنا