من أخطر المشاكل الموروثة، عن النظام السابق، وأكثرها تأثيرا مباشرا على فئة عريضة من المجتمع، ما يسمى بمشكل دائني الشيخ الرضى.
مجموعة من المواطنين، باعوا أملاكهم العقارية، و أملاكهم المنقولة، طامحين في ربح كبير متوقع، ليتفاجؤا، بأنهم ضحية لعملية تجارية غير مدروسة وغير محسوبة العواقب.
ظاهرة اجتماعية، جديدة على مجتمعنا، مئات الأسر، بقيت دون سكن، وبدون دخل.
وهذه الظاهرة تستحق من أهل الاختصاص في الاقتصاد وعلم الاجتماع، ومن الساسة، وقادة الرأي في المجتمع، الدراسة والبحث، لعلهم يساهمون بأفكارهم وآرائهم، في حل هذا المشكل الوطني.
بخصوص الحل القضائي، لا مناص منه، وسيكون مؤلما، لأنه قد يفضي إلى إعلان إفلاس المدين، وجره إلى السجن، فيه نوع من إحقاق العدالة، و نيل المتورطين لجزائهم، و هذا غاية في الأهمية، و قد يكون رادعا، لمن تسول له نفسه محاكاة هذا الأسلوب، لكن في النهاية، قد لا يتم تسديد الدين كاملا، حتى يستوفي كل ضحية حقه.
مما يتطلب من الحكومة وضع خطة، مدروسة، تمكن الضحايا، من إستفاء حقوقهم، أو على الأقل الكثير منها، وسأحاول أن أنثر بعض الأفكار مساهمة مني في إثراء نقاش، هادف قد يوصل إلى خطة واضحة المعالم تنهي أزمة دائني الشيخ الرضى بشكل نهائي.
لحل هذه الأزمة لا بد لثلاثة أطراف تحمل المسؤولية كاملة، وكل واحد منهم، يجب عليه الإستعداد للتضحية، والقيام بواجبه كاملا في سبيل الحل.
• الطرف الأول الحكومة :
أول خطوة عل الحكومة القيام بها، إنشاء مشروع قانون، يصنف هذا النوع من الجرائم المالية، على أنها توازي في خطورتها على المجتمع، جرائم الإرهاب، أو تصنف هذه الجرائم على أنها توازي جريمة الخيانة العظمى، يقدم مشروع القانون للجمعية الوطنية، للمصادقة عليه.
وعلى الحكومة أيضا، أن تقوم بإقتراح هيئة خاصة تتبع لرئيس الجمهورية، أو الوزير الأول لحل، أزمة دائني الشيخ الرضى، من مهامها :
* إحصاء شامل لجميع المتضررين، و الوقوف على حجم الدين الحقيقي، وتضع قاعدة بيانات توضح طبيعة كل دين و حجمه. وبعد ذلك، تقوم بمراجعة الأسعار التي تم عقد البيع على أساسها، وتعتمد الثمن الحقيقي، لأن السعر الذي تم بيع العقار
به، مبالغ فيه، والهدف من تضخيم الثمن في تلك الفترة هو دفع الضحايا لبيع ممتلكاتهم ، أما الهدف الآن، فهو تعويضهم، عن هذه الأملاك الضائعة.
* و بخصوص مصادر تمويل عملية السداد، على الهيئة المنتدية، وبعد معرفة الحجم الحقيقي للدين، أن تقترح بند في النفقات العمومية، يثبت في الميزانية العامة للدولة، وفي حالة كان حجم الدين لا يمكن سداده في سنة واحدة، يسدد على مدى ثلاث سنين على الأكثر.
كما أن الهيئة المنتدبة، يمكن أن تقوم بالإجراءات التالية، لتنوع ، مصادر تمويلها :
– وضع اليد على جميع الأصول النقدية والمادية التي قرر القضاء مصادرتها من الشيخ الرضى؛
– إنشاء صندوق وطني تساهم الدولة بالنصيب الأكبر فيه، يفتح المجال لرجال الأعمال، والمؤسسات، والأفراد، والخيرين عموما؛ للمساهمة في حصول الضحايا على حقهم.
– تهيئة قطع أرضية حتى تكون صالحة للسكن في المقاطعات التي تعود الأملاك العقارية الضائعة لها، وإن تعذر ذلك في بعض المقاطعات، يتم تكملة القطع الأرضية من المقاطعات الأخرى القادرة على إستعاب جديد. و يحدد السعر التجاري للقطعة الأرضية، ويفرض على كل متضرر أخذ قطعة أرضية على الأقل، وإن لم تستوعب دينه، يخير فيما بقي من دينه بين القطع الأرضية و التعويض النقدي، هذا بخصوص الأملاك الغير منقولة، أما الأملاك المنقولة، فهي الأخرى تخضع لنفس الإجراءات،
تقيم بأثمانها الواقعية، وتخضع لنفس إجراءات التعويض، حسب حجم المبلغ.
• الطرف الثاني الدائنين :
على الدائنين تحمل المسؤولية، و الإستعداد للتضحية في سبيل إنهاء معاناتهم، وأن يعوا القاعدة المعروفة، ما لم يدرك كله، لا يترك جله.وأن يكونوا جزء من الحل، وذلك بقبولهم الرجوع إلى الأثمان الحقيقية لأملاكهم الضائعة، وأن يقبلوا التعويض المادي.
وأن يعلموا أن الحل ،إذا لم يشاركوا فيه، بصدق و بجدية وإخلاص، فلن تكون هناك نهاية للمأساة.
• الطرف الثالث الاقتصاديون، و أخصائي علم الاجتماع، و الساسة، وقادة الرأي.
من واجب الاقتصاديين، و أخصائي علم الاجتماع والباحثين، الإهتمام بهذه الظاهر الدخيلة على مجتمعنا، ومحاولة وضع أفكار ودراسات تساعد الحكومة على إنشاء خطة وطنية جيدة، تنهي هذه المأساة، كما أن الساسة و رأساء الأحزاب وقادة الرأي في المجتمع عموما، يقع على عاتقهم، خلق رأي وطني عريض يتبنى مسؤولية حل هذا المعضل الخطير على أمننا الداخلي ووحدتنا الوطنية.
والله من وراء القصد.
د محمد الأمين ولد شريف أحمد