النائب محمد الامين ولد سيدي مولود يكتب: إلى فضيلي ولد الرايس ومَن حوله .. / حق الرد

عندما يتحدث “عامية المثقفين” عن “قصر فهم وتأويل للقانون” فتأتى “آراؤهم فاسدة، مشكوك فيها أو رخيصة”. فمن الوارد أن يكل المجتمع، والجماعة القانونية منه تحديدا، أمر التصدي لهؤلاء لكم فضيلة القاضي والخبير القانوني فضيلي ولد الرايس؛
كيف لا؟! وغزوات التعديلات الدستورية على جبهة المسطرة البرلمانية وفى ساحة المادة 38 من الدستور. ولاحقا ملاحم تحرير الدستور من أغلاله المجسدة في المواد المحصنة لتحديد المأمورية الرئاسية، قد كنتم بلا منازع أمثل من يقوم بذلك الدور الذي طغت فيه أولوية الأوامر والمطالب على احترام الدستور ومراعاة المصلحة العامة، واستقرار البلد ومؤسساته، وأظن أن كثيرين ما زالت آذانهم مصطكة من “مناظرتكم” مع الأستاذ لوغورمو بهذا الخصوص.

ما أثرتموه أستاذنا الخبير من قواعد منهجية نحتُّموها بمعرفتكم وأمعنتم في الابتعاد عن امتثالها فيما كتبتم يلاحظ فيه الآتي:

1-عدم التسرع وسؤال الجاهل للعالم:
يكشف تعاطيكم أيها القاضي مع آية:” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” أن العجلة تملكتكم؛ إذ لم تقوموا بضبط الآية، لكن الأدهى من ذلك هو الخطأ في كتابتها: “فسألو”. ومعلوم أن “الخطأ إنما يكون أولا وقبل كل شيئ في التسرع” – حسب نص توجيهكم – ومعلوم كذلك أن التأني في التعاطي مع القرآن آكد من كل ما سواه، هذا علاوة على كثير من الأخطاء في اللغة والمضمون..

أما عن توجيه السؤال لأهل العلم، فمعلوم أن أبواب السلاطين ليست بالمكان الأمثل لطلب أهل العلم للتعلم منهم، وقد نُهينا فيما روى الطبراني والدليمي وصححه الألباني عن تلك الأبواب: “إياكم وأبواب السلطان فإنه قد أصبح صعبا هبوطا”؛ لذلك قد يفوتنا بعض أهل العلم ممن تمترسوا عنا هناك، كما قد تفوتُهم أسئلتنا.

2- عدم الحديث دون تحقق العلم:
يكشف الحديث عن القانون رقم 59-054 المتعلق بحماية النظام العام الصادر بتاريخ 10 يوليو 1959، عدد الجريدة الرسمية/08 بتاريخ 19 أغشت 1959، ص/186، المكمل بالقانون رقم 73-09 الصادر بتاريخ 23 يناير 1973، عدد الجريدة الرسمية / 344-345 بتاريخ 28 فبراير 1973، ص/73، والذي كتبتم أنه:” ما يزال ساري المفعول ينظم الاستعجال خارج نطاق إعلان حالة الطوارئ والظروف الإستعجالية المنصوص عليها في المادة39″ أنكم تنهون عن خلق وتأتون عينه:
– القانون من عنوانين: أولهما خصص لحالة الطوارئ وثانيهما عن إجراءات خاصة خارجة عن حالة الطوارئ. فكيف تقولون أنه ينظم الاستعجال خارج حالة الطوارئ؟!

-كيف تخلطون أيها الخبير بين حالة الطوارئ ذات الأساس الدستوري (المادة 71 من الدستور) والتنظيم التشريعي للسلطات الاستثنائية التي يتمتع بها الرئيس بموجبها (القانون 59-054، المكمل) وبين حالة الاستثناء المنصوصة والمنظمة حصرا بنص (المادة 39 من الدستور)، بل وتضيفون عليهما، ضمنا، الظروف الطارئة التي كرسها الاجتهاد القضائي، فتجعل الكل حالة واحدة منظمة بمقتضى المادة (39)؟!

-كيف يكون القانون 59-054 الذي تعلنون حالة الطوارئ حسب (المادة 2) منه بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء ولمدة ثمانية أيام، ويتأتى القول بالإطلاق على أنه “لا زال ساريا” وقد أصبحت حالة الطوارئ تعلن من رئيس الجمهورية ولمدة أقصاها شهر كما فى (المادة 71) من الدستور؟!

-الأغرب من كل ذلك؛ كيف تقولون بتطبيق مقتضيات القانون المذكور دون أن تعلن حالة الطوارئ أصلا؟!

كيف تقولون :” وبوسعها أن تعاقب المخالفين بالغرامة المنصوص عليها في هذا القانون” في ظل نص الأمر القانوني رقم 2020-01 الصادر بتاريخ 5 مايو 2020 فى (المادة 6) منه على عقوبات محددة لمخالفة الأحكام الواردة فيه، وإلغائه صراحة لكافة الأحكام السابقة المخالفة (المادة 7)؟!

– الطامة الكبرى؛ من أين أتيتم أيها القاضي المستشار ب: ” تنص المادة الثالثة من القانون الصادر 59 والمعدل سنه 1973 على أن: “للسلطات الإدارية المحلية في حالة الخطر المحدق أن تتخذ كافة الإجراءات المناسبة وفي شتى المجالات بغية إزالة الخطر أو الحد منه وبوسعها أن تعاقب المخالفين بالغرامة المنصوص عليها في هذا القانون”، علما أن (المادة 3) من القانون 59-054 نصت حرفيا على: “يمكن لرئيس الجمهورية ، في الدوائر التي أعلنت فيها حالة الطوارئ أن يأمر السلطات المحلية ب:

تنظيم أو تحريم تجول الأشخاص والسيارات

تنظيم إقامة الأشخاص في بعض المناطق
–الأمر بالإغلاق المؤقت لقاعات العرض، وحانات الشرب، وأماكن التجمع من كل نوع
-حظر كل الاجتماعات العمومية التي من طبيعتها إثارة أو خلق فوضى.”

وعلما أيضا أن ما لحق ب (المادة 3) هذه من تعديل بمقتضى القانون 1973_09 اقتصر على إحلال كلمة رئيس الجمهورية محل عبارة الوزير الأول لا أكثر.
فعلا، كما كتبتم أيها القاضي الخبير في الرد على ما كتبتُ بصفتي أحد عامة المثقفين _ الأصح أنني أحد عامة الشعب _ وأقصرهم فهما وتأويلا للقانون وأفسدهم وأرخصهم وأقلهم دقة رأي أن: “الذي لا علم له بهذا القانون ولا يميز بين حالة الطوارئ (الظروف الاستثنائية) وتنظيم الاستعجال يحظر عليه الإقدام إلى وحل قد يسلك فيه واد والحقيقة القانونيه في واد آخر”؛ وربما كنتم على حق في كل ذلك؛ لكن بقيَ أن تضيفوا لوادي الحقيقة والواد الآخر واد ثالث يكب فيه مَن _ فوق عدم العلم بالقانون وعدم التمييز بين حالة الطوارئ وحالة الاستثناء ووضعية الظروف الطارئة _ ينسب نفسه للعلم ولا يهتم كثيرا بالأمانة العلمية.

لماذا أغفلتم أيها الخبير القانوني والقاضي والمستشار بيانَ رئاسة الجمهورية، الذي رغم خلوه من أي أساس، فلأنه من رئاسة الجمهورية يصلح أساسا خصوصا لما لا أساس له؟!

كيف لم تشيروا في محاولتكم للتأسيس للمقرر المهلهل ناقص الأساس، على نحو ما تقدم وأكثر، إلى الأمر القانوني رقم 2020-01 الصادر بتاريخ 5 مايو 2020 رغم ورود إشارة له في المقرر؟!
فقد كانت مثل تلك الإشارة لتثير نقاشا لا زال لدي شغف لأن أسمع فيه آراءً غير التي سمعت، فأنا لستُ على استعداد أن أسلم أن يسلب النواب على وجه الدوام اختصاصا حصريا أعطوه بنص المادة (57) من الدستور. ولقناعتي أن المصادقة على الأوامر القانونية المتخذة بمقتضى قانون التأهيل إنما ينتظر منها غل يد الحكومة فيما اتخذت بناء على التأهيل، لا التنازل لها عن مجال من مشتملات اختصاص القانون.

أخيرا، أرغب أن تشمل غيرتكم هذه وهبّتُكم لصالح الدستور والقانون مخالفات دستورية وقانونية قائمة الآن من طرف نظام تمثلون فيه مستشار وزير والدفاع قادمين من مشوار طويل في وزارة الداخلية وقبل ذلك من القضاء (أهم وزارات السيادة واحترام القانون افتراضا)، رغم سعيكم لعرقلة وصول هذا النظام في التشبث بطرح المأمورية الثالثة خلافا للدستور والمصلحة، وهو نفس الطرح الذي بموجبه تخالفون الدستور والقانون تبريرا لما تريد السلطة الآن وما تقوم به من أخطاء، في انتظار سلطة قادمة تبحث عن مبرر فتوفرونه لها.
ومن هذه المخالفات الدستورية والقانونية أعطيكم أمثلة فقط:

مخالفة تعطيل تشكيلتيْ المجلس الأعلى للقضاء المنصوصة في المادة 89 من الدستور

تأخر تقرير الميزانية المنصوص على إلزاميته في المادة 68 من الدستور، عند منتصف كل سنة

تعطيل قانون محكمة العدل السامية تعطيلا يخالف صريح المادة 70 من الدستور

السطوة على صلاحيات المجلس الأعلى للفتوى والمظالم المحددة في المادة 94 من الدستور، حيث أسند بيان الرئاسة مسألة الفتوى بخصوص الصلاة للوزارة بدل المجلس.

تعطيل الرقابة القضائية لمحكمة الحسابات (أين كنتم طيلة السنوات التي لم تنشر المحكمة تقاريرها، رغم الالزام القانوني بالنشر؟ وما موقفكم من تصرف السلطة مع تقارير المحكمة بخصوص المحاسبة؟)

مخالفات مراسيم التعيينات في وزارات مهمة مثل الداخلية والخارجية والمالية مثالا لا حصرا

تجاوز المجلس الأعلى للشباب لفترته القانونية

مخالفات تتعلق بالميزانية مثل عرض أي تعديلات حال حصول أي تغيير في هيكلة الوزارات.

أما مخالفات القانون بخصوص حقوق العمال، والترقيات، والنقابات الخ فهي ميدان يرتقي فيه من ينفرون من الظلم وينجذبون لأصحاب الحقوق ..

إننا في بلد نافح فيه بعض “الخبراء الدستورين” والقانونيين والبرلمانيين عن الانقلابات، بلد أشاد فيه المجلس الدستوري بالقيام بانقلاب متمرد بوصفه إنجازا في حفل تنصيب يشاهده العالم، بلد أو من يخرق القانون ويخالف الدستور هم بعض من يتوخى منهم الدفاع عن الدستور والقانون، بلد يحتاج الأمانة الحقة، والضمائر الحية، أكثر من أي معرفة نظرية.

إن المشكل الحقيقي في هذا البلد ليس الحمولة المعرفية لدى كثيرين _ وإن كان بعض من يتصدرون المنابر والمجالس بوصفهم مختصين لا يمكن وصفهم كذلك بل صعدوا لانسجامهم مع ما يُطلب منهم أو يؤمرون به لا مع المعرفة والحق _ إنما المشكل الأهم هو الأمانة والصدق والمسؤولية، بطريقة تجعل صاحب المعرفة يقود لا يقاد، ويَنصحُ لا يبرر، ويستشار لا يؤمر.

رزقني الله وإياكم حسن الخاتمة وجعلنا ناطقين بالحق وقّافين عنده، ولو لم يوافق هوانا أو هوى الحكام!

محمد الأمين سيدي مولود

Exit mobile version