تعتبر الرياضيات من أهم العلوم التي توصلت إليها الحضارات الكبرى التي أهتمت بنظريات هذا العلم والاستفادة منه ابتداءً من الحضارة الفرعونية مروراً باليونان والحضارة الإسلامية ثم الحضارة الغربية الحديثة
وتعد الرياضيات من أهم العلوم التي اعتمدت عليها البشرية في التطوّير والتحديث، لما لها من أهمية قصوى في حياة الإنسان منذ القدم وحتى في عصرنا الحالي، حيث نجحت الرياضيات في تحسين الحياة وبناء الدول ومازالت لها أهمية قصوى في شتى العلوم التي يستفيد منها الإنسان.
فلولا الرياضيات مثلا لما وجدت الحواسيب الإلكترونية وتكنولوجيا الإنترنت ومحركات البحث المختلفة وإنشاء المواقع والبرمجة، وصناعة الأقراص المدمجة .
كذلك فإن مجال الطيران يعتمد كلياً على أنظمة التحكم المعقدة والتي تعتمد على نظريات الأبعاد والقياسات الرياضية المختلفة.
وفي المجال العسكري فإن أنظمة الدفع الصاروخي والمقذوفات والمدفعية تعتمد على الإحداثيات الرياضية وكذلك فك التشفير الحربي وغيرها من المجالات العسكرية الدقيقة.
كما أن علم الإحصاء الحديث ،وقياس المساحات الأرضية ورسم الخرائط ، والهندسة المعمارية، وعلم الفلك والصواريخ الفضائية وحركة دوران الأقمار الصناعية جميعها تعتمد على الرياضيات
وهذا يؤكد أن مادة الرياضيات في بلادنا تحتاج عناية خاصة نظرا إلى أهمية دورها -عالميا وعبر التاريخ – في خدمة البحث العلمي
وتطوير جميع فروع العلوم والتكنولوجيا، كالطب والفيزياء والاقتصاد والمعلوماتية والهندسة، وتطبيقاتها المختلفة في
العلوم الإنسانية.
وهذا يعني أن جميع المهن ابتداءً من الطبيب والمهندس والمعلم وانتهاءً بالمهن البسيطة مثل السائق أو البنّاء يعتمدون على الرياضات بشكل أو بآخر
ذلك أن علم الرياضيات من العلوم المستقلة القائمة بذاتها والتي لها العديد من الفروع وكلها تعتمد على النظريات والقوانين التي تؤثر في حياتنا اليومية وفي العلوم المختلفة.
وبما أن الرياضيات هي لغة العلوم فإن الرموز تعتبر جزء من طريقة تفكير الإنسان بغض النظر عن اختلاف لغته، فيمكن أن تكون للرموز وهي الأصل في علم الرياضيات ان تكون لغة يتواصل بها البشر جميعهم باختلاف لغاتهم وثقافتهم.
ذلك أن الرياضيات من العلوم التي تؤثر في طريقة التفكير لدى الإنسان فتجعله منظماً ومرتبا وتنمي مهاراته الحياتية .
ومع ذلك فإن مادة الرياضيات التي يطلق عليها البعض لقب «سيدة العلوم» قد تراجعت مكانتها على مستوى تعليمنا الثانوي بشكل مخيف
مما أدى إلى اختفاء القسم السابع الرياضي من بعض الولايات
وتقلصه في باقي ولايات الوطن وقد نجم عن ذلك تراجع أعداد المشاركين في مسار الرياضيات للسنة السابعة في الأولمبياد فضلا عن التراجع المستمر لأعداد المترشحين لبكالوريا الشعبة الرياضية إلى أقل من 2000
مترشحا هذا العام رغم تزايد الأعداد الإجمالية للمترشحين.
ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع: الهجرة من القسم السادس الرياضي نحو السابع العلمي رغبة من التلاميذ والآباء في الاستفادة من التوجيه إلى كليات الطب والصيدلة ومن المنح الخارجية التي أصبحت
حكرا على ناجحي شعبة العلوم.
مما أدى إلى عزوف مستمر عن الرياضيات وضعف في المستوى العلمي العام للبلد.
وتؤكد الإحصائيات أن السنوات الخمس الأخيرة قد شهدت انخفاض نسبة أعداد مترشحي البكالوريا في الشعبة الرياضية حتى وصلت هذه السنة إلى 6% .
وقد أدى هذا الوضع المخيف إلى دق ناقوس الخطر من طرف النخب التربوية الحريصة على مستقبل البلاد معلنة بالأرقام والبراهين حجم الكارثة وخطرها المحدق على مصير العملية التربوية وانعكاساتها السيئة على مستقبل التقدم العلمي والتنمية والاقتصاد مستنجدة في نفس الوقت بقيادة البلاد من أجل تدارك الوضع ورد الاعتبار لمادة الرياضيات التي أصبحت تتعرض للتهميش عن قصد أو غير قصد بعد أن كان كل تلميذ يرى أن الولوج الى اقسامها هو أكبر فخر واعتزاز .
ومع ذلك فإن الجميع يتطلع إلى إصالح جدي للتعليم ينصف الرياضيات في موريتانيا وفق رؤية جديدة تستهدف تقريب المادة التعليمية من الواقع.
وقبل ذلك يحتم الحال – بسبب تراجع مكانة الرياضيات في بلادنا – طرح هذا السؤال الخطير الذي يعبر عن الحيرة والألم وهو:
“ما دام التلاميذ قد هجروا أقسام الرياضيات فمن أين سيحصل الأساتذة على الطلاب الذين سيدرسونهم ليصبحوا أساتذة للرياضيات والفيزياء
والكيمياء أو مهندسين وتقنيين، لضمان مستقبل التعليم والتكنولوجيا والهندسة والصناعة في بلدنا الغالي؟
باباه ولد التراد