“النّسويّة” قراءة في دلالة التسميّة / د.تربة بنت عمّار ( الحلقة الثانية)

سيكون الحديث في هذه الحلقة مقتصرا على النّسوية في العالم الإسلامي والعربي منه على وجه الخصوص؛ نظرا لكون هذا الأخير يختلف بسبب النظام الأبوي الذي كانت سلطته موروثا شرعيا للنظام القبلي الذي كان يعتمد على السلب والنهب وغنائم الحروب.. وطبيعي أن تكون الأنثى الغير منتجة شيئا سلبيا يجب التخلص منه فكان الوأد، الذي حرمه القرآن تحريما صريحا في محاربته لتلك الرواسب والمخلفات.. لكن المجتمع العربي “الرسمي” في نسخته ما بعد العهد الراشدي قام بترميم للذهنية العربية لتعود لسابق عهدها من عصبيّة وجاهلية خاصة في الجانب الاجتماعي لتجد المرأة نفسها ضحية لوأد جديد تحت عنوان الحريم..!!
وتطورت معاناة المرأة العربية عبر تاريخنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. لتستيقظ بعد سبات ليل طويل فوجدت نساء الغرب قد مهّدْن الطريق للنضال:” يمكن التأريخ للحركة النسوية منذ مطلع القرن الثامن والتاسع عشر، حيث ظهرت حركة المطالبة بحق الاقتراع في المملكة المتحدة، ومن ثم انتقلت هذه الحركة إلى عدد من الدول الأوروبية، ومن ثم إلى الولايات المتحدة الآمريكية”.

لقد تمحورت مطالب هذه الحركة في حق المرأة في التعليم والتوظيف والاقتراع .. وهكذا مرت النسوية العربية في أطوارها الأولى بنفس الخطوات مع جيل النهضة العربية مع الطهطاوي(1801-1873) في كتابه:”المرشد المعين في تعليم البنات والبنين” ومع قاسم أمين (1863-1908) في كتابيه:”تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة” وكذلك مع طاهر حداد(1899-1935) في كتابه:”امرأتنا في الشريعة والمجتمع” ففي هذه المرحلة كانت المرأة العربية في قاع مظلم من العادات المترعة بالقهر والظلم، وكان المجتمع ككل تحت رحمة الاحتلال والتجهيل..
وفي هذه المرحلة -أيضا- كانت المطالبة بحق المرأة شأنا رجاليا لأن الظرفية الكلامُ فيها من امتياز الرجال..!! وكانت المطالب -رغم بساطتها كالتعليم والتوظيف- منكرا ، قد رفضها المجتمع المتمترس خلف أسوار العادات والتقاليد، إلا أن المطالب استفحلت لتشمل أشياء ما كانت لتخطر على بال حراس نظام الحريم والهيمنة الذكورية، وهذه المطالب هي التي تحددت فيها ملامح النسوية الجادة حدَّ التطرف وهي التي انقسمت حولها التيارات النسائية في وطننا الكبير الذي ظل محكوما بنظام اجتماعي متشابه تغذّيه منظومة تربوية موحدة فيما يتعلق بالموقف من النساء.
في هذه المرحلة تحدِّثنا سلمى عبد الستار أبو حسين في بحثها “قراءة في المدرسة النسوية وتياراتها ” بقولها : ” لم تُطرح فيه قضايا مباشرة مناقضة لثوابت الدين ومسلماته، ولم يتم نسبة
التخلف الذي كان عليه حال المرأة إلى الدين. في هذه المرحلة الدعاة لحقوق المرأة كانواً رجالاً، وغاب العنصر النسائي”.
وانطلاقا من هذا يمكن القول إن هذه المرحلة كانت بمثابة البداية فحينما تعززت قنوات الوعي لدى نساء العالم العربي بفعل البعثات العلمية ودخلت الأفكار والمقولات النسوية الغربية إلى العالم العربي بشكل متفاوت، عن طريق عدة قنوات، أهمها: البعثات العلمية إلى دول الغرب ، أصبح الأمر مختلفا ، الشيء الذي أدى لوجود خطاب نقدي راديكالي لم يتقبل المجتمع العربي تلك الأفكار ولم يستسغها دينيا . واجهت المدرسة النسوية بكافة مراحلها العديد من أوجه الرفض والهجوم، ولعل السبب في ذلك يعود للرؤية التي جاءت بها المدرسة النسوية بطرح العنصر النسوي بشكل منفصل على الساحات العلمية والعملية والثقافية والدينية، وهو الأمر الذى عرض الفكر النسوي في مجمله للعديد من الاتهامات، على رأسها الادعاء بأن هذه المدرسة تسعى لتدمير مؤسسة الأسرة، أو التحريض ضد الذكور..”.
ففي مطلع القرن العشرين برز جيل من الرائدات كان من أبرزهن: هدى شعراوي(1879-1947) وصفية زغلول(1878-1946).ليتحول الخطاب النسوي العربي إلى أفكار منظمة لا تسعى للتصادم مع الثوابت: “في الواقع، إن هدى شعراوي قد عملت على الجمع بين نساء الحركة النسوية والإسلامية، والتأكيد على المشاركة السياسية للمرأة”.
يتــواصـــل..

د\تربة بنت عمّار

Exit mobile version