من خصاص التركيب والتعبير فـي الـقـرآن الكـريـم / السالم بن دَيْدَّ عبود

قد يقتضي المقام تعريف المسند إليه بضمير الخطاب ، والأصل عند البلاغيين أن يكون الخطاب لمعين ،تقول :إن زرتني أكرمتك، تريد مخاطبا معينا ، وقد يراد بالخطاب العموم فيكون موجها إلى كل من يتأتى منه الخطاب ، وهذا يفيد اﻷسلوب مزية من حيث يُشعِرُ هذا العمومُ بأن الأمر جدير بأن يكون ذائعا ، وأنه ﻻ يختص بمخاطب دون مخاطب، تقول في حال التشهير بالعيب واللؤم: فلان لئيم، إن أكرمته أهانك وإن أحسنت إليه أساء إليك ، ﻻ تريد مخاطبا معينا بل تريد إن أكرمه أي كريم أو أحسن إليه أي محسن قابل ذلك باﻹساة ، وهذا كما ترى أدخل في باب التشهير والعيب ووصفه بلؤم النفس وفساد الطبع.
ومن شواهد هذه الخصوصية أعني عموم الخطاب قوله تعالى :ولو ترى إذ المجرمون ناكسي رءوسهم عند ربهم [السجدة 12] المراد بالخطاب هنا كل من تتأتى منه الرؤية ، وذلك للإشارة إلى أن هذه الصورة المتناهية في الفظاعة تناهت أيضا في الظهور فلا تختص بها رؤية راء بل كل من تتأتى منه الرؤية داخل في هذا الخطاب ، وفيه إشارة أيضا إلى الرغبة في تعميق الصورة الفظيعة المنكرة في وجدان كل راء لتكون زجرا بليغا للناس جميعا…وعليك أن تجتهد في أن تقيم في نفسك هذا الموقف كما تصفه اﻵية …المجرمون في كل جيل من أجيال البشرية مجتمعون جميعا وقد وقفوا ناكسي رءوسهم خضوعا وذﻻ في حضرة ذي الجبروت الذي عاشوا يتبجحون بإنكاره.
وقد تجد هذا اﻷسلوب واردا في سياق الثناء والتنويه، كقوله تعالى: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات [البقرة:25] فالمأمور بقوله تعالى: وبشر كل من تتأتى منه البشارة ، وﻻ يخفى ما فيه من الحسن والجزالة كما قال الزمخشري ؛ ﻷنه يؤذن بأن اﻷمر لعظمته وفخامته شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به .
و قد جاء على هذا السنن قول النبي صلى الله عليه وسلم :(بشر المشائين إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) فاﻷمر هنا ليس لمخطاب معين وإنما لكل من يتأتى منه التبشير ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن كل من يصح منه التبشير يجب أن يكون مبشرا لهؤﻻء المشائين إلى المساجد بالنور التام وفي ذلك نهاية التكريم وغاية الرضا .


#بقلم_أخيكم/ السالم بن دَيْدَّ عبود.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2632680297020478&id=100008356002035

Exit mobile version