أغلقت السلطات الصينية الجمعة أكثر من عشر مدن واقعة في محيط مركز فيروس “كورونا” المستجد الذي ارتفعت حصيلته مجدداً عقب امتناع منظمة الصحة العالمية إعلان حالة طوارئ صحية دولية.
وارتفع عدد الوفيّات جرّاء الوباء الفيروسي في الصين إلى 26 شخصاً من أصل 830 إصابة، بعد أن ظهر هذا المرض الغامض في ديسمبر في سوق لبيع ثمار البحر بالجملة في مدينة ووهان وسط الصين.
في ووهان، التي تضم 11 مليون نسمة ووُضعت بحكم الأمر الواقع تحت الحجر الصحي منذ الخميس، يقول سائق سيارة أجرة: “هذا العام..عامنا الجديد مخيف جداً” مضيفاً: “لا نجرؤ على الخروج بسبب الفيروس”.
وتبدأ العطل الطويلة للعام الصيني الجديد الجمعة عشية بدء سنة الفأر في 25 يناير. وتؤدي هذه العطلة إلى مئات ملايين التنقلات، الأمر الذي يفاقم العدوى.
وكانت حصيلة سابقة نشرتها اللجنة الوطنية للصحة تحدثت عن 18 حالة وفاة وأكثر من 600 إصابة مؤكدة، معظمها في مقاطعة هوباي وعاصمتها ووهان.
ومن أصل 830 حالة، تُعتبر 177 حالة على أنها خطيرة حسب اللجنة، فيما “شُفي” 34 شخصاً وغادروا المستشفى. ويخضع للفحوص أكثر من ألف شخص يُشتبه بإصابتهم.
وأكدت السلطات المحلية الجمعة حالة وفاة خارج مركز الوباء، في مقاطعة هايلونغجيانغ (شمال شرق) الواقعة على الحدود مع روسيا، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وفي مواجهة الأزمة، اتخذ النظام الاشتراكي الخميس قرارا غير مسبوق بمنع كل القطارات والطائرات من مغادرة ووهان وبإغلاق الطرق السريعة.
وكان عدد قليل من الطائرات متوجهة إلى المدينة خلال النهار. وتلقّت الحافلات والسفن في نهر يانغتسي، أطول نهر في الصين وتقع ووهان على ضفافه، الأمر بالتوقّف في الاتجاهين.
“لا أشعر بالخوف”
لليوم الثاني على التوالي، كانت شوارع ووهان مقفرة والمحال التجارية مُغلقة وحركة السير تقتصر على الحدّ الأدنى. وارتداء الأقنعة الواقية إلزاميّ تحت طائلة تسطير محضر ضبط بحق الشخص المخالف.
ووقف حارس وحيدا يؤمن الحماية أمام المستشفى حيث تتمّ معالجة الأشخاص المصابين بالالتهاب الرئوي الفيروسي، وقال لوكالة فرانس برس رافضاً الكشف عن اسمه: “لا أشعر بالخوف. أحاول أن أقوم بعملي بأفضل طريقة ممكنة”، مضيفاً: “في هذا الوضع المأساوي، علينا جميعاً أن نقوم بواجبنا بجدية، وإلا لن نتمكن من الخروج منه”.
على بعد مائة كيلومتر نحو الشرق، أعلنت مدينة هوانغشي التي تضم مليوني نسمة، صباح الجمعة، تعليق حركة النقل العام وإغلاق الجسر فوق نهر يانغتسي.
ومنعت مدينة جينغتجو التي تضم أكثر من 6 ملايين نسمة المغادرة عبر القطارات والسفن والحافلات.
وتمّ عزل 13 مدينة في وسط الصين عن العالم الخارجي. وفي المجمل، تطال هذه الإجراءات أكثر من 40 مليون شخص في مقاطعة هوباي التي تضمّ قرابة 60 مليون نسمة.
“طوارئ في الصين”
عقب اجتماع امتدّ على يومين في مقرّها في جنيف، أقرّت منظمة الصحة العالمية الخميس بوجود “حالة طوارئ في الصين”، لكنها اعتبرت أنه “من المبكر جداً” التحدّث عن “حالة طوارئ صحية عالمية”.
ولم تستخدم المنظمة حتى الآن مصطلح حال الطوارئ العالمية إلا في حالات وباء نادرة تتطلب استجابة دولية حازمة، مثل انفلونزا الخنازير “اتش 1 ان 1” عام 2009 وفيروس “زيكا” عام 2016 وإيبولا الذي اجتاح قسماً من غرب إفريقيا بين عامي 2014 و2016 وجمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2018.
وأعربت المنظمة عن أملها في أن تكون الإجراءات المتشددة التي اتخذتها الصين “فعّالة وقصيرة الأجل في الوقت نفسه”.
وقال رئيس لجنة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية ديدييه حسين: “لقد أدركنا أن الإجراءات المتخذة في مدينة ووهان نجمت عن مبادرة هذه المدينة وليس عن تطوّر الوباء”.
وتؤكد المنظمة ألا دليل حتى الآن على انتقال العدوى من إنسان لآخر خارج الصين مضيفةً: “يبدو أنّ الأمر يقتصر حتى الآن على مجموعات أسرية وعلى العاملين في مجال الرعاية الصحية”.
ولا تطلب المنظمة فرض قيود على السفر، إنما إخضاع المسافرين لفحوص في المطارات، وتطالب أيضاً “كل الدول” بوضع إجراءات للكشف عن حالات الإصابة بالفيروس الذي لا يوجد حالياً علاج له أو لقاح للوقاية منه.
تجارب طبية
في دافوس، حيث يُعقد المنتدى الاقتصادي العالمي، أعلن التحالف من أجل ابتكارات الاستعداد للأوبئة الخميس أن التجارب الطبية المتعلّقة بلقاح أول يمكن أن تحصل “بدءاً من الصيف”.
وتمّ الإعلان عن إصابات في دول آسيوية (هونغ كونغ وماكاو وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان وتايلاند وسنغافورة وفيتنام) وأيضاً في الولايات المتحدة.
ويثير المرض الخشية من تكرار فيروس سارس المماثل الذي أدى إلى مقتل 650 شخصاً في الصين القارية وهونغ كونغ بين عامي 2002 و2003.
وفي مؤشر على حال القلق التي سادت في جميع أنحاء الصين، أعلنت “المدينة المحرمة” في بكين، وهو القصر الإمبراطوري القديم، أنها ستُغلق أبوابها حتى إشعار آخر لتجنّب خطر العدوى بين الزوار.
وألغت العاصمة احتفالات رأس السنة الجديدة التي تجمّع عادةً مئات ملايين الأشخاص في الحدائق للاحتفال.
ومن مونتريال، ألغى “سيرك دو سولاي” الكندي عرضا كان مقررا في بكين بناءً على طلب السلطات.
وأعلنت مدينة ملاهي “ديزني لاند” في شنغهاي الجمعة إغلاق أبوابها حتى إشعار آخر كتدبير وقائي تجاه زوّارها وموظّفيها، وفق ما جاء على موقعها الإلكتروني.
وأفادت وسائل إعلام رسمية بأن الصين بدأت الجمعة ببناء مستشفى مخصص لاستقبال ألف مصاب بالفيروس في غضون عشرة أيام. وأظهرت مشاهد نشرها التلفزيون العشرات من آلات البناء تحضّر الأرض التي سيُبنى عليها المستشفى في ووهان. ويُفترض أن تُختتم أعمال البناء في وقت قياسي، وسيفتح المستشفى الذي سيشغل 25 ألف متر مربع أبوابه في الثالث من فبراير، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة.
*أ.ف.ب