لعل مما لا خلاف فيه أن الإجماع عريض علي أن الديمقراطية هي ” من أحسن ما توصل إليه العقل البشري في مجال تسيير معضلة الحكم التي أهلك إهمال و سوء تدبيرها و تسييرها أمما و حضارات عريقة وأغرق دولا و شعوبا و “قبائل” حديثة في أوحال الفتن و الاقتتال الأهلي و عدم الاستقرار،…
و”الديمقراطية الحقة أو
الخالصة” بناءٌ تراكمي شاق،شائك و طويل و من الصعب الوصول إليه من دون مراكمة عقود مديدة من التجارب و الأجيال السياسية؛ و من السياسيين الموريتانيين من يعتقد-عجلة و خطأ- أن الديمقراطية “نموذج ذا مقاس واحد”) ( Taille Unique يمكن استيراده و استخدامه تماما كما تستورد و تستخدم “البضاعة ” المفصلة و المصنعة” خارج الحدود.. !!
ويمكن تقسيم دول العالم سياسيا إلي دول ديمقراطية منها ما حقق مرحلة النضج و منها ما بلغ سقف “المَلاَءَةِ الديمقراطية” و دول غير ديمقراطية تكفر “كليا أو جزئيا” بالديمقراطية وتتبع مناهج سياسية أخري و دول “سائرة في طريق الديمقراطية” تؤمن بالديمقراطية و تتخذ منها شرعة و منهاجا لكنها لما تصل حد ” النضج الديمقراطي”و هي تخطو خطوات توفق أحيانا و تتعثر أحيانا نحو تحقيق هدف “الديمقراطية الخالصة”.
و تنتمي جميع الدول العربية و الإفريقية إلي فئتي الدول غير الديمقراطية أو الدول السائرة في طريق الديمقراطية و إن كانت الغالبية الغالبة من تلك الدول تصنف ضمن قائمة الدول السائرة في طريق الديمقراطية و هو تصنيف يخفي تباينات كبيرة حول ” المستوي الديمقراطي” لكل دولة علي حدة و الذي عليه الأغلبية و لو “البسيطة” من الآراء أن بلادنا تنتمي باستحقاق إلي صدارة مجموعة الدول العربية “الأمثل ديمقراطيا” كما تنتسب بجدارة إلي نادي الدول الإفريقية ذات “النموذج الديمقراطي الحسن”.
و من الملاحظ أن المنظومة الدولية لا تولي اهتماما مناسبا لدعم “الدول الديمقراطية السائرة في طريق الديمقراطية” خصوصا بالمقارنة مع ” الاهتمام و “الجعجعة” المخصصين ( و إن كانا لا زالا دون الحد المطلوب) لتحفيز و تسريع النمو بالدول السائرة في طريق النمو رغم شبه الإجماع المنعقد علي أنه من النادر و الاستثنائي تحقيق النمو “المستديم” من غير ديمقراطية خالصة ، آمنة مستقرة. !!
و في اعتقادي أن المجموعة الدولية مسؤولة “أخلاقيا و سياسيا” عن التأخر في اتخاذ جملة من الإجراءات لتثبيت و تأمين النماذج الديمقراطية بالدول السائرة في طريق الديمقراطية التي تتربص بها الدوائر”تقاليدُ الانقلابات العسكرية” و “صعوباتُ التعايش العرقي و المناطقي” و “كليانيةُ الطبقات السياسية”و “تعجلُ و لا تدرج حَوَاِريِي الديمقراطية” و “انفجارُ الطموحات الشخصية” َ، ومن أكثر إجراءات الدعم الدولي استعجالا:-
أولا:سن تشريع دولي يحرم و يجرم اللجوء إلي القوة لوقف النموذج الديمقراطي:و يقصد بذلك سن تشريع دولي أممي صارم و حازم يجرم استخدام القوة من أجل كسر المسار الديمقراطي علي غرار ما هو متبع بالاتحاد الإفريقي و ما سنته موريتانيا خلال التعديل الدستوري 2012 الذي صنف الانقلابات العسكرية و “أخواتها” ضمن الجرائم التي لا يأتيها التقادم من بين يديها و لا من خلفها؛
ثانيا:إنشاء صندوق عالمي مخصص لتثبيت الديمقراطية :و المقترح هنا هو تخصيص أموال كبيرة في شكل “عون أممي لتثبيت و تطوير الديمقراطية” علي غرار ” العون العمومي من اجل التنمية”(Aide Public au Développement-APD) يوجه لمساعدة الدول السائرة في طريق الديمقراطية علي تثبيت و تنمية تموذجها الديمقراطي ذلك أنه من الملاحظ أن لحظات التراجع و “الاضطراب” الاقتصادي التي ندر أن تسلم منها الدول النامية غالبا ما تستخدم من طرف “أعداء الديمقراطية” ذريعة لتأجيج الغليان الشعبي كمقدمة للاستيلاء علي السلطة بالقوة و تجميد المشروع الديمقراطي؛
ثالثا:إرساء جوائز دولية قيمة معنويا و ماديا للدول الأكثر استقرارا و تطورا ديمقراطيا:و يتعلق الأمر بخلق جوائز دولية تقدم كل ثلاث سنوات للدول الأكثر استقرارا و تطورا ديمقراطيا وذلك ابتغاء تشجيع النخب السياسية “بالدول السائرة في طريق الديمقراطية” علي ترسيخ النموذج الديمقراطي و ترقية التعددية السياسية و تطبيق التداول السلمي علي السلطة و قطع الطريق أمام ” الاقواس الاستثنائية” التي تأخذ غالبا شكل الانقلابات العسكرية و “الرِبَاعِ السياسية”(جمع كلمة ربيع) و “التمديدات اللادستورية” لفترات الحكم،…
المختار ولد داهى،سفير سابق