طال الانتظار .. و امتلانا بالشوق إلى لحظة ميلاد الحكومة التي قيل لنا أنها ستكون حكومة كفاءات و أنها ستعكس العمق الانتخابي.. إذ لا شيئ امثل من جمعها بين هاتين المزيتين .. و قبضنا على هذا الأمل بأيدينا .. و لأننا بسطاء انخدعنا بترويجات ابواق التزلف و خفافيش الامن و الجرذان المدونين .. و تمسكنا بأن للعهد معناه في إعلان ” تعهداتي” ، و لأن الوقت قد حان لخيارات جدية تأخذ في الحسبان حاجة البلد لخدمة أبنائه الأقوياء الأمناء و حاجة الناس لوطن آن له أن يفيق و ينطلق إلى الفضاء .
لقد كانت خطابات غزواني و تعهداته مسكرة لطلاب العدل و للمهمشين في هذه الأرض ، و اترعتنا كؤوسا ملأتنا بالأمل و أحيت في نفوسنا مشاعر الانتماء لوطن جديد تعهد بانه سيولد على يديه ، و بأن العدل و الأمانة و الاطمئنان عناوين مرحلته .
لكن غبار الوهم قد انقشع .. و مات الحلم الذي سكننا خلال الاسابيع الماضية في أحداث تغيير جذري و قطيعة مع ممارسات المنصرف ، لم يطل الوقت حتى سطعت الحقيقة و اشرقت عالية في السماء .
زالت الغيوم و ظهرت الحكومة ، و تبدى وجهها فإذا بها تحتفظ بأسوأ من كانوا في حكومة المنصرف أداءا .. إضافة لبعض الوجوه التي لم تعرف التدرج الطبيعي داخل وظائف الدولة ، و لم يذكر لها دور في السياسة ، و لم تتألق في العلم و لا في المعرفة فكانت ” خداج ” لا هي سياسية و لا تقنية .
حكومة بينها المجاهيل من أصحاب الحقائب المتجولين بحثا عن من يعدون له استشارة تعتمد على تقنية القص و اللصق التي تضيع معها هوية البلد و خصوصياته التي لا يعيها المقص و لا يفهمها صاحب المعالي الجديد ..
حكومة بينها من أوصلهم أصحاب الرتب و النياشين العسكرية في محاصصة كريهة ألبست اثوابا أخرى لم تستر عوراتها ، و بينها من خرج من ادراج رجال الأعمال و صناديقهم أو أوصت به برقيات المخبرين ، و البقية من مكاتب سماسرة التعيين و التزيين ، او من رحم القرابات و المصاهرات و الصداقات الشخصية .
لن تستطيع هذه الحكومة الهشة تشغيل ماكينات البلد ، و ليس بمقدورها تحريكها و المؤسف حقا أنها ازالت اللثام عن حقيقة ” التربية و التعهدات ” و أطاحت بصاحبهما من السماء الذي رفعه سقف الخطاب إليه .
ان حكومة لا ينتمي أغلب افرادها إلى أي من اسلاك الوظيفة في الدولة ، و لم يتدرجوا في مفاصلها و لا في مستوياتها الدنيا ، لن يحملوا فكر الدولة و لن يتسلحوا بالمنطق اللازم لتطويرها ، و لن يحسوا بتوعكها ، و لن يفهموا اسقامها او يخترعوا الترياق الشافي لعلاتها .. و لا يشفع لأهلها ما احيطوا به من دعاية كاذبة بأنهم كفاءات ..، و الواقع انه ليس بينها مبرز من أي جهة و لا مؤلف لأي كتاب ، و لا اعرف معنى لقمة الكفاءة في غياب ذلك .
و على كل حال فإن طوق التهميش الذي كان مضروبا على بعض الجهات و ساكنتها لا يزال قائما ، و السبيل الى العدل يبدوا موصودا و لا أمل في فتحه ، و يبقى باركيول معكتفا في نعيم حرمانه كما كان دائما ، اذ لم تحظ منطقتي الحبيبة بأي اعتبار خلال 59 سنة عرفت فيها موريتانيا ازيد من 700 وزير تربعت على مختلف القطاعات و ازيد من الفي سفير تم اعتمادها في مختلف جهات العالم ، و ذلك رغم ما يزخر به من كفاءات سياسية و علمية في مختلف مجالات المعرفة .
لن يفلح الامن في تزييف حقيقة هذه الحكومة التي شكلت صدمة للشارع الموريتاني .. و طوح شكلها و مضمونها هامة القيم و ثقافة الأمة .. و خابت معها الظنون الحسنة .. و اغتالت التطلع إلى العدل الذي رامه المهمشون و المظلومون .. و اتضحت الحقيقة الحارقة و هي اننا امام سراب يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
حكومة تنطبق على أفرادها مقولة كارل ماركس الذي صرخت امامه زوجته يوما متهللة فرحة بان أخاها عين وزيرا فقال لها ألم أقل لك انه غبي ، فردت عليه مندهشة ، لم أفهم ، فقال لها كنت اتوقع انه سيكون وزيرا لأنه غبي .. ،
فلو كان ماركس بيننا لما تفاجأ من تعيين الوزير الطائر و الوزيرة العارية و من على شاكلتهما من اضرابهم في الهوايات و الثقافة و التاريخ المتربعين اليوم على مقاعد الحكومة ..، لكن قدرتهم على احتلال هذه المقاعد لا تعني انهم يستطيعون تشغيل قطاعاتها او تحريكها .
مصطفى يحي باب