رسالة القصر الأخيرة إلى الرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني

سخر المحام المعروف محمد ولد اشدو من تطلعات نخب البلد من محامیین وصحفیین وقادة احزاب ومنظمات مجتمع مدني
ومن مطالبھم للرئیس المنتخب ووصف ولد شدو في مقال طویل تلك الطموحات باللاواقعیة وذات الابعاد “التملقیة”
مقال ولد شدو القاس جدا في حق النخبة دفعت بأحدھم إلى التعلیق علیھ بالقول: “ھذه آخر رسالة لسید القصر الى
الرئیس المنتخب محمد ولد الغزواني ولیس ھذا المحامي المحترم إلا ساع برید لھ وھي ثاني رسالة في اقل من شھر
یرسلھا عبره” وكتب ولد اشدو:

فخامة الرئیس؛
بعد كامل التقدیر والاحترام والامتنان؛ ھا ھي أغلبیة نخبة ھذا البلد تتوجھ إلیكم بھذه الرسالة، وإن كان النزر القلیل جدا منھا ھم من شاركوا في تزكیتكم لتولي منصب الرئاسة السامي؛ ذلك أن أغلبیتنا العظمى مالت في الانتخابات لغیركم؛ إما على أساس عرقي أو شرائحي أو “مبدئي”! إذ للثلاثة عندنا قیمة كما للعھد عندكم قیمة! وقد كان غیركم أكثر انسجاما وتناغما مع قیمنا وأھدافنا وطموحاتنا؛ لكننا غلبنا على أمرنا، ولم تبق لدینا حیلة سوى مخاطبتكم
واللجوء إلیكم. فرحم الله أسلافنا حین عبروا عن حالتنا الیائسة بقولھم المأثور:
“ومن نكد الدنیا على المرء أن یرى ** عدوا لھ ما من صداقتھ بد”!
السید الرئیس؛
إن لرسالتنا ھذه ھدفین ھما: أولا، تعریفكم بنا، وثانیا، التقدم إلیكم بمطالبنا التي ھي – في الواقع- مطالب الشعب والوطن، وفي تلبیتھا
والسھر على تنفیذھا صلاحھما وفلاحھما!
أولا: من نحن؟
نحن النخبة، نخبة موریتانیا ومثقفوھا من أدباء وشعراء وفلاسفة وعلماء ومحامین، وقادة أحزاب ونقابات وجمعیات أھلیة وصحفیین
وحقوقیین.. إلى آخر اللائحة الطویلة جدا؛ خاصة في ھذه الأیام! نحن الشعب، لأننا الناطقون دائما باسمھ، وما منا من یوزن بالألف ولا بالملیون؛
بل كل واحد منا یوزن بثلاثة ملایین ونصف یتحدث باسمھم بلا ریب! زد على ذلك أننا نعلم، وغیرنا لا یعلم. لقد أحطنا بكل شيء، وعرفنا كل
شيء، وتعددت مواھبنا ومشاربنا واختصاصاتنا ومجالاتنا. فمنا – على سبیل المثال- امرؤ القیس وعنترة والنابغة، ومنا المتنبي والفرزدق
َ وجریر والحطیئة وبھلول وأبو دلامة وأشعب وأبو نواس وأه كي ودونكشوط ونفرو وباب غور وتأبط شرا.. وھلم جرا!
فنحن كما قال عنا عمرو بن كلثوم:
“إذا بلغ الفطام لنا صبي** تخر لھ الجبابر ساجدینا”
وكما قال الشیخ حمادي ولد الدمین في مدح قومھ:
“واھل ملان والشیطان ** منا والخور وخمبراش”
فطوبى لمن اصطفیناه وأیدناه، وقد أفلح من تصالح معنا واعتمد علینا؛ وإن كانت في ذلك عقبات ومعضلات جمة یصعب تذلیلھا! فنحن
سواسیة في الفضل كأسنان المشط لا تجوز محاباة بعضنا دون بعض، ولا تنطبق علینا قاعدة “ما لم یدرك كلھ لا یترك جلھ” وطوابیر الانتظار
طویلة جدا، ومن شیمنا عدم احترامھا!
وما ھاج الضغائن من حبیب ** كإیثار الحبیب على الحبیب.
ولقد أعذر من أنذر!
ثانیا: مطالبنا
السید الرئیس؛
إن مطالبنا كثیرة لا یعلم عددھا إلا الله! ونحن ننتظر غیثكم وفتحكم على أحر من الجمر منذ شھر مقداره ألف سنة مما تعدون، لكي تنقذونا
من عشر عجاف سلخ جلودنا خلالھا سلفكم یوم أن صد عنا وسد أبواب الرزق في وجوھنا بتبنیھ سیاسات وشعارات تافھة مثل محاربة الفساد،
وخدمة الفقراء، وتغییر أولویات المناھج الدراسیة، وبناء الوطن والدولة! فأصبح بذلك عھده یابسا ومغسولا!
وھذه أھم مطالبنا نرفعھا إلیكم فیما یلي:
1 .قلب الطاولة. إن أول وأعظم مطالبنا وأشدھا إلحاحا – نحن الشعب- ھو قلب الطاولة، والتغییر المدني الشامل، وجعل عالي الأمور سافلھا.
وھذا یعني، بادئ ذي بدء، إلغاء جمیع السیاسات التي كانت متبعة خلال عشریة الجفاف؛ وخاصة سیاسة محاربة الفساد. لقد ضاع الشعب وھلك
ُ منذ أن اضط ِھد المفسدون الطیبون المحسنون؛ ولولا بؤر فساد ظلت عصیة على الھدم، وأخرى نمت كالفطر ھنا وھناك، ابتھلنا إلى الله لیل نھار
كي یحفظھا ویبني علیھا بیتا من ستره، لھلكنا جمیعا! فا، الله!
2 .إلغاء منصب رئیس الفقراء؛ والتخلي التام عنھم، وحل جمیع المشاریع المخصصة لھم كوكالة التضامن ومفوضیة الأمن الغذائي وحوانیت أمل
وشركة توزیع السمك.. الخ؛ ذلك أن ھذه المشاریع جمیعھا لن تنفعھم لكثرتھم وتعدد وتنوع حاجاتھم! ثم إنھا تحرم الشعب وتضره لأنھا توجھ
طاقات اقتصادیة ھائلة في غیر وجھتھا الصحیحة، فما في المدینة أحوج منا نحن! فلماذا لا توجھون ھذه المشاریع والبرامج والأغلفة المالیة
الكبرى في خدمة النخبة المسكینة فتوزعونھا مباشرة علینا، كل باسمھ ووسمھ، فتنقذوننا من الفاقة وتقطعون عنكم ألسنتنا بالعطایا وتتركون
الفقراء ؟ فعندھا – وعندھا فقط- لن تنتشلوا نخبتكم من الموت صبرا فحسب؛ بل إنكم أیضا ستفجرون ثورة ثقافیة لا مثیل لھا، فتحصدون آلاف
الإلیاذات واتھیدینات ولبتوتھ والمؤلفات التي تخلد عھدكم وتبني لكم مجدا وذكرا یتقاصر عنھ ذكر ھرم بن سنان وحاتم الطائي ومعن بن زائدة
وھنون بن بسیف واعلي بو سروال وخطري وسید أحمد ولد المختار وأحمد ولد امحمد وأعمر سالم ولد محمد لحبیب وولد ابن المقداد.. والله
على ما نقول وكیل!
3 .إلغاء بناء الوطن والدولة. إن أصعب ما عانینا منھ خلال ھذه العشریة الیابسة المغسولة ھو “بناء الوطن والدولة: “الجیش “والأمن، البنى
التحتیة، الطرق، الموانئ، المطارات،السدود، قنوات الري، المزارع، المصانع، المستشفیات، الطاقة الحرة والھجینة، الجامعات، المعاھد المھنیة،
والمدارس النموذجیة والعصریة”.. إلخ. با علیكم ما فائدة ھذه المسمیات التي لا تؤكل، ولا تسمن ولا تغني من جوع! من فضلكم أنقذونا
وابنونا نحن، فقد مسنا الضر. ودعوا الوطن والدولة فلھما رب یبنیھما!
4 .التخلي عن الإصلاح. نحن ضد كل إصلاح یتم على حسابنا؛ وخاصة إصلاح المناھج التربویة الذي یوجھ المدرسة إلى خدمة حاجیات الاقتصاد
وسوق العمل، وبالتالي یحط من شأن الأدب والفكر والسیاسة والاجتماع! إن إصلاح المناھج التربویة ھو بمثابة إعلان حرب إبادة تخوضھا
الدولة ضدنا نحن الشعب! أولا یكفینا ما نعانیھ من تمییز التكنولوجیا ضدنا؟ ھذه الطامة التي تلغي جمیع الاعتبارات المعنویة ولا تقیم وزنا للأصل
أو اللون أو المكانة الاجتماعیة وتقلب الأشیاء رأسا على عقب بسرعة البرق، وكأنھا إنما خلقت لتذكرنا بآیة طالما نسیناھا أو تناسیناھا: إن أكرمكم عند الله أتقاك

فما فائدة موریتانیا بدون قیمھا وأصالتھا ونخبتھا التي ھي ھویتھا وتذب عن سمعتھا وتحمي حماھا في المحافل؟ رجاء أوقفوا حرب تغییر
المناھج، ودعوا مناھجنا كما كانت، وأغلقوا أبواب الجامعات والمعاھد العلمیة والمھنیة العصریة جدا؛ والتي ترتفع صروحھا المخیفة ھنا
وھناك.. وأوصدوا المصانع وبعض مؤسسات الدولة الضارة كالضرائب والجمارك والرقابة البحریة وشركة تسویق الأسماك! وأعیدونا إلى
سیرتنا الأولى، فلن یصلح آخرنا إلا بما صلح بھ سلفنا!
وفي انتظار إعلانكم الوقوف إلى جانبنا وتبنیكم لبرنامجنا وتنفیذكم لمطالبنا، فإننا نعلن لكم وقوفنا – نحن الشعب- إلى جانبكم.
وتفضلوا بقبول فائق التقدیر والاحترام.

بقلم الأستاذ محمد ولد إشدو

Exit mobile version