حماد ولد أحمد يكتب عن النابغة الراحل “جمال ولد الحسن” في ذكرى رحيله

في مستهل القرن الحادي والعشرين جمعتني دولة الإمارات العربية المتحدة بالنابغة الراحل؛ “جمال ولد الحسن” رحمه الله، وكانت تلك لعمري سانحة لا تقدر بمقدار، أتاحت لي التعرف عليه عن كثب، فتحقق بها مرامي، ولم أَجِد كبير عناء في استثمار الوقت الثمين الذي منحني إياه، ولقد حسنت الصحبة وتقوت أركانها رويدا رويدا إلى أن شعرت بأمارات الثقة من لدنه، وأكرمني بما لا أستحقه من صفو الوداد، فكنت له الأخ الأصغر وكان المهتم بي العطوف علي، ولَم يكن تردده على بيته الثاني بل الأول إلا تعبيرا صادقا عن عمق الخصوصية التي شرفني بها منذ تعهدها سقاية ورعاية إلى أن قوي عودها وتعمقت جذورها، وكان حريا بي أن أستغل سانحة الصلة تلك لأنهل من معين علم زلال تفيض به مجالس الرجل، بموازاة سمت عجاب ينضح خلقا وأدبا، وكنا نتبادل بين الفينة والأخرى أطراف الحديث تقصيا لأخبار الوطن حينا، وغوصا في تراثه الزاخر بالكنوز النفيسة أحايين أخرى، وربما جنح بنا المقال والمقام إلى أحاديث ديار ليلى ( لعگل، آتكوره، إگيدي). و”حديث جمال” لا يمل سماعه، تطابق دلالته مدلوله، شجون هو أي شجون!!!، وكان جمال حينها لا يزال حديث عهد بالموطن الجديد يتلمس طريقه بتؤدة وحكمة، وتدفع به همته القعساء التي هي مناط الثريا إلى ما يصبو إليه من نسج علاقات ثقافية متميزة مع النوادي العلمية في المنطقة، على غرار صنيعه في تونس القيروان، ورباط الأدارسة، وبغداد الرشيد، على خطى واضحة المعالم رسمها الشناقطة الأوّل الذين خلفوا موروثا علميا غنيا، ظل حتى عهدنا هذا مصدر فخر لشنقيط وأهليها، وبالفعل تجسد طموح جمال واقعا جليا، وتكللت مهمته بنجاح باهر، وذلك حين ازدانت وأشرقت به منابر أروقة الثقافة الخليجية باعتباره أستاذا محاضرا، يتسابق طلبة العلم إلى سماع محاضراته العلمية المانعة الماتعة، ولا غرو فالمورد العذب كثير الزحام ..
رحم الله العلم الراحل جمال، فلقد استطاع رغم العمر القصير المتمثل في عقود قليلة عاشها تخليد اسمه محفورا في ذاكرة الزمن، ليبقى اسمه لامعا بين رموز جيل رواد الحركة الأدبية في شنقيط وخارجها..
وهكذا مضت الأيام سراعا، وذات مساء بعد أن أدينا صلاة المغرب جماعة في مسجد الحي الواقع غير بعيد من المنزل حيث أقيم بإمارة (عجمان) إذا بي أردد – قسرا – مع الشيخ الخليل النحوي حفظه الله هذه الأبيات من رائعته الشعرية التي رثاه فيها:

أتتركنا وغصن الود غض
وترحل لا سلام لا وداعا
أترحل هكذا عنا وتطوي
كتابك والصحيفة واليراعا
وعلما كم سقيت به ظماء
وفهما كم غذوت به جياعا
ووجها ضاحكا طلقا بشوشا
وكفا بضة ويدا صناعا

حماد ولد أحمد

Exit mobile version