أميرات (بني حسان) عبر التاريخ السياسي لبلاد شنقيط / حماد ولد أحمد

لقد حفل تاريخ هذا القطر بمجموعات وقبائل عربية بلغت شأوا كبيرا، وامتازت بالحصافة والشوكة والبأس، وقد شكلت إمارة (أولاد رزق) ائتلاف قبائل عدة يحسب لها ألف حساب من أهمها قبيلة (أولاد عايد) وتُنمى هذه المجموعة إلى (عايد بن رزق بن أحمد أدي بن حسان) الجد الجامع لقبائل بني حسان العربية، وقد حكم (أولاد رزق) الضفة اليسرى من النهر السينغالي وأرجاء متفرقة من حيزه الجغرافي، قبل أن ينازعهم أبناء عمومتهم “التروزيون” على ملك هذه المنطقة، وينتصروا عليهم بدعم ومؤازرة من إبراهيم ولد سيد أحمد لعروصي، الذي قٓدِم من الشمال غازيا بالعُدة والعدد قبائل الزوايا، وقد أقنعه أحمد بن دامان زعيم “التروزين” آنذاك وقائد المعركة تلك بضرورة التريث في غزو (الزوايا) لغاية الانتهاء من القضاء على (أولاد رزك) واجتثاث شأفتهم حين قال له عبارته التي نقلها رواة التاريخ، وهي: (علينا القضاء على النعام أولا، وبعد ذلك نتفرغ لفقص بيضها) فكانت تلك النصيحة كافية لتندلع معركة (انتتام) الشهيرة بين الفريقين عام 1630م وهي التي كاتت السبب المباشر في نشوء نواة إمارة (الترارزة) وقد آذنت بانتهاء عهد إمارة (أولاد رزق) ليتفرق مابقي من بطونهم أشتاتا، بعد أن أضحوا قلة قليلة إثر خمود الحرب الضروس تلك، فتفرق القوم عضين كأولاد عايد وغيرهم من التفريعات الأخرى ليتوزعوا بين قبائل الزوايا والعرب القاطنين في منطقة (القبلة) وخارجها، مع بقاء ما يسمى اصطلاحا “بالخالفة الكحلة” التي ظلت تحمل بعض أسماء أفخاذ قبيلة (أولاد رزق) إلى يوم الناس هذا وفاء وعرفانا بالجميل، وتخليدا لذكر أمراء حكموا هذه المنطقة مابين القرنين التاسع والحادي عشر الهجريين، كما ورد في كتابي (الحسوة البيسانية) للمؤرخ صالح ولد عبد الوهاب الناصري، و(تاريخ قبائل البيضان في الحوض والساحل) للمؤرخ الفرنسي “ابول مارتين” وفِي مدونة (النسابون العرب) وغير ذلكم من المراجع التاريخية التي تناولت أنساب وتاريخ قبائل بني حسان العربية، وتتبعت تواريخ صراعاتها المريرة على السلطة، منذ قدومها لبسط نفوذها السياسي والثقافي على بلاد شنقيط.
ويذكر التاريخ من النساء “المغفريات” اللائي اشتهرن وسارت بذكرهن الركبان اخناثه بنت بكار زوج الأمير مولاي إسماعيل الجد الجامع للأسرة العلوية الحاكمة في المغرب، وهي التي كان لها الحضور الفعال في اتخاذ قرارات السياسة الداخلية و الخارجية للملكة، ومثلها اشتهرت بنت عمها “اخناثه” العائدية، التي تزوجها اعلي ولد أحمد ديّ (من أولاد أحمد بن دمان) فأولدها بنته التي تزوجها اعلي الكوري بن المختار بن امحمد بن اعلي الكوري بن أعمر بن اعلي شنظوره وخلف منها “العالية” أم الأمير أحمد سالم ولد إبراهيم السالم، وقد كانت ” اخناثه ” هذه سيدة مجتمع من الطراز الأول، ونالت حظوة كبيرة لدى قومها، كما جاء في كتاب حياة موريتانيا (الحياة الجغرافية) للمختار ولد حامد ص: 157-158 ..
ومن نافلة القول أن قبائل (أولاد رزق) أبناء عمومة قبائل (لمغافرة)، فالكل ينتهي نسبه إلى أصول واحدة تتمثل في قبائل (بني حسان) العربية التي يرجع لها الفضل في تعريب لسان (أهل الصحراء) سواء أولئك الذين وفدوا منهم مطلع القرن الرابع عشر الميلادي (أولاد رزق) أو الذين قدموا مستهل القرن السابع عشر الميلادي (لمغافره) ..
وقد نشب قتال بين الفريقين، رسم – لاحقا – ملامح الخارطة السياسية والجغرافية في هذه البلاد، واستتب بعده الأمر “للمغفريين” في الجنوب والوسط والشمال، مع ملاحظة أن مابقي من أولاد (رزق) ظل حليفا لقبائل “الزوايا” واصطف إلى جانبهم في حرب (شربب) المشهورة.

حماد ولد أحمد

Exit mobile version