الإِدَارَةُ المُورِيتَانِيّةُ و آَفَةُ “صِدَامِ الصّلاَحِيّاتِ” / المختار ولد داهي

سألني أحد الشباب ضمن محطات و وقائع محاضرة ألقيتها حول موضوع “المجالس الجهوية و تحديات التأسيس”عن أبرز التحديات التى يتعين على المجالس الجهاتية مواجهتها فقلت قاطعا غير متردد :”تحدى صدام الصلاحيات”.!!

و تبريري لهذا الرأي هو أن هذه المجالس حديثة النشأة و ينص القانون المنشئ لها على أن مشمولات اختصاصها تضم العديد من المجالات التى كانت ضمن اختصاصات الإدارة المركزية و “المصالح اللامحورية “(les services déconcentrés )؛و إذا لم توفق جهات الوصاية فى “ترسيم حدودٍ و عوازلَ”لاختصاصات الجهات و البلديات و السلطات الإدارية و المصالح الفنية اللامحورية فإن “صدام الصلاحيات” سوف يُفَرْمِلُ التأسيس القويم و الانطلاق السليم للمجالس الجهوية.

و معلومٌ لدى أهل الاختصاص أن صدام الصلاحيات هو أكبر آفات الإدارة الموريتانية و يندرُ أن يسلم منه مرفق عمومي و تتجلى انعكاساته السلبية :”حروبا إدارية داخلية”و تعطيلا للمرافق العمومية و خصما من هيبة الإدارة و تمكينا”لمُنَاوِلِى النميمة و الوشاية ” من منتسبى الإدارة و من أبرز أسباب صدام الحضارات:

أولا-“الاستبداد الإداري”: و يقصد به “الظاهرة المتواتِرة لجُنُوحِ بعض المسؤولين من “الدرجة الأولى” (وزراء و مدراء) إلى “السطو” و الاستحواذ على كافة صلاحيات مرؤوسيهم المنصوص عليها قانونا و نُظُمًا و عرفا مما يؤدى إلى “تمرد”بعض المرؤوسين مُتَمَتْرِسِينَ خلف القوانين و النظم و الأعراف المعمول بها مما يفضى غالبا إلى عرقلة عمل المرفق العمومي بفعل “صدام الصلاحيات”؛

ثانيا-“المُدَاخَلاَتُ الاختصاصيةُ”: و أعنى بهذا المصطلح “تنازع الاختصاصات بين المرافق الإدارية بفعل تكرار نفس الاختصاصات و الصلاحيات بالنظم الضابطة لمرفقين إداريين أو أكثر مما يؤدى إلى “احْتِرَابٍ إداري” شبيه ٍ سخونةً و إِسْفَافًا و “خَرْمًا للمرُوءةِ”بما اصْطُلِحَ على تسميته فى يوميات و سَرْدِيّاتِ معالجة عشوائيات نواكشوط “بالمداخلات بين القطع الأرضية”.!!

ثالثا-تعارض و تنافر الاختصاصات: تسبب نقص المصادر البشرية الكافية “للتمحيص القَبْلِيِ” لمشاريع القوانين و المراسيم و المقررات و القرارات إلى “تعارض و تنافر” بعض النصوص القانونية و التنظيمية.

و تجلى أحيانا -غير نادرة-تعارض و تنافر و “تلاغى” بعض الصلاحيات و الاختصاصات فى صدام بين المرافق الإدارية مما يجدد المطالبة بترفيع الإدارة العامة للتشريع إلى “مجلس أعلى للإدارة و التشريع” يجمع على غرار ما هو حاصل ببعض الدول كفرنسا بين الاختصاص الاستشاري نصحا للحكومة و القضائي الإداري حسما للمظالم الإدارية؛

رابعا-رَمَادِيّةُ و لا قَطْعِيّةُ الاختصاصات: تعانى بعض النصوص الناظمة لصلاحيات و اختصاصات بعض المرافق الإدارية من “ضعف فى التحرير القانوني” مما أضفى على الصلاحيات المُبَوّبَةِ رماديةً و لا قطعية ً شجعت وجود أكثر من تفسير واحد لتلك الاختصاصات و أكثر من مرفق إداري يدعى “حيازة” تلك الصلاحيات و الاختصاصات.

و مهما تعددت أسباب “صدام الصلاحيات” فإن الحل واحد و هو الانتباه إلى واجب صياغة و تحرير النصوص الضابطة لاختصاصات و صلاحيات المرافق الإدارية صياغة و تحريرا يُرَسّمُ حدودا و عوازل واضحة لا شِيّةَ فيها و لا تحتمل التأويل و لا التفسير بين صلاحيات المرافق العمومية .

المختار ولد داهى،سفير سابق

Exit mobile version