رسالة إلى النقباء العشرة المبشرين بالإصلاحات

نحن نثق في أن الرئيس اختاركم من بين أمة الأربعة ملايين،واجتهد في اختياركم، من أجل أن نضع الخلافات جانبا،وأن نؤسس لبنيان حزبي جمهوري وديمقراطي،لا يسلم فيه المسلم أخاه، ولا يظلمه، ولايحقره، ولا يتلتله بلسانه أو بيده.

وككل النقباء فأنتم ، حملتم الأمانة بأشواطها وأشراطها الأربعة: النقيب إذا حدث صدق، وإذا وعد لم يخلف، وإذا ائتمن لم يخن، وإذا خاصم لم يفجر- والفجور أن يتعدى فيك الإمعة المشاء بنميم ، قول الحق.

يقولون إن السياسة فن بناء المعاني قبل المباني، وهي فن استنزاف الخصم،وهي في أجمل صورها: إصلاح:” يمنع الفقير من أن يكون جشعا، ويحرم الغني من أن يكون وحشا” .

ومن أجل ذلك فلا بد لممتهنيها من قواعد احتكام أدناها الفرائض أو الفرائص التي إن ارتعدت ، تمعددت الأرض واخشوشنت:

1- الاحتكام إلى رؤية أو التنافس بين برامج.

2- حكومة منتخبة تخدم الشعب.

3-مصالح دائمة مثل: البسمة على الشفتين، وكسرة الخبز إحدى العدوتين، أي أمن من الخوف، وأمن من الجوع.

4- المحاسبة من أهم مبانيها ، ومعانيها، المكافأة.

5- محاربة الفساد والفقر، كلاهما نظم وخطط ، قبل قطع الأيدي وسجن السجان.

6- إن تكون الأولويات درء الإخطار وحفظ بيضة الأمة.

7- الإحساس بعظمة البلد، وبإخوة الرفاق، وبشرف وكرامة المواطن، وبعدل القانون، وبوطنية الانتماء.

8- لا شبر من ارض الوطن يباع، ولا هوية تضام.

9- العلم سلطان النفاذ، والعلماء تاج الوقار.

10- الغباء في السياسة هو أكبر داء.

تلك إذا عشرة كاملة، أيها النقباء العشرة.، والمكفرات بأيامها عشرة لمن يحسن الصوم إذا رفث، ولكن بقوانينها تعددت بعدد الصالحات من الأعمال، وجملت في الباقيات الصالحات.

ومن أصلح ما يتطلع إليه شبابكم وقوى التغيير في بلدكم ، أيها النقباء،أن يقبل رؤساء الأحزاب والحكومات التداول والتناوب،ولهذا يستهجن في عقود هذا العصر أن يسوس الحزب – أي حزب- والحكومة – أية حكومة، وريثا غير منتخب ، إذ لا طلاق في إغلاق، ولا بيعة على مستكره، حتى ولو جلد الإمام ظهر الإمام مالك، وضرب بشرة أحمد بن حنبل، وطرد أبا ذرالغفاري، وقطع رأس بن الزبير، وفرض التورية على محمد بن ادريس الشافعي بأصابعه الخمسة المسبحة، وقال ابراهيم لعبدة الأصنام فعلها كبيرهم هذا، وتمندل الحجاج بدم من خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وعاش يردد: فما سمعته يقول لي قط هلا فعلت هذا، أو لا تركت هذا، وكان إذا لامني بعض أهله قال: اتركوه لو قدر لفعل.

مهلا أيها النقباء …..الستة قبلكم، وأهل شجرة بيعة الرضوان بزعامة البراء بن معرور، لم يكونوا وما ينبغي لهم أن يكونوا أربابا، هم كانوا أحبابا، وفوا ببنود بيعة العقبة الأولى والثانية، و استشاروا فلم يتركوا راعيا ولا صاحب مهنة، إلا وأخذوا رأيه الصواب..كذلك افعلوا أنتم،ان كنتم قد نصحتم…

مدرسة الحبيب قبلكم، رددت لاءات خالدة،هي أسس من ساس بالحق في تواضع وصبر، لست عليهم بوكيل..لست عليهم بحفيظ…لست عليهم بمسيطر…انك لا تهدي من أحببت..ليس لك من الأمر شيء..الخطاب يعم ولا يخص.

السياسة تواضع، وقد يكون من السياسة أن لا نصوت لمن يكذب إذا حدث، ويفجر إذا خاصم، وعند ما سئل عبد الله بن المبارك شيخ علماء دمشق عن التواضع ، قال: “التواضع هو التكبر على الأغنياءـ ومسح دموع الأيتام، وأكل الموائد مع الفقراء، ومحبة مجالسة الأتقياء”، فأين أنتم من هذه الخصال؟

يصدق أنشتين حين يصف القوة، ويبين فصاحة ،حين يصف أخطر أنواع الشر فقد قال:” قوة الشعب تفوق قوة الأشخاص الذين في السلطة”، وقد جزم بأن: “العالم لا يتحطم بواسطة الأشرار بل بواسطة من يشاهدونهم دون أن يفعلوا شيئا”.

من أجل ذلك فان تفعيل قوانين محاربة آفات العنصرية، والإرهاب، وخطابات الكراهية، ونفي الآخر، واستيراد تجارب الاقتتال والفساد في الأرض بكل ألوانه، يجب أن تكون أولوية العشرية القادمة من مسار السلطة الحالية، التي نتفق على إصلاحاتها في مجالات الهوية، والأمن، والتنمية.

إن بناء الإنسان الموريتاني المسلح بعلوم وتقنيات العصر الحديث ، وتشييد دولة المؤسسات، و المحافظة على قيم النظام الجمهوري،والعض بالنواجذ على صناعتي عناق المئذنة والمحظرة، وخصوصية الشناقطة كمثابة رباط للعلم والعلماء، هي ركائز السلم الأهلي وأركان البيت الشنقيطي.

ولقد آن الأوان لمنع أي حزب أوشريحة أو فرد أو طوطم أوطرف من أن يحتكر اسم أو إنتاج أو ثروة ، المشتركات والرموز الوطنية الجامعة، فسلسلة جبال موريتانيد، واسم شنقيط، واسم انواكشوط، وأسماء عواصم المقاطعات، واسم المرابطين، واسم موريتانيا، ومقاومتنا الوطنية ، والشهداء، والعلماء، ورواد الثقافة الشفهية، مثل العلم بألوانه الثلاثة ، ومثل المعادن والدستور، والثروات الوطنية الناضبة والمتجددة ، وكل ذرة من تراب الوطن أملاك مشاعة، لاتؤمم برخص ولا تؤخذ بركاز.

ومن هنا فان مراجعة قوانين الرخص في مجالات الإعلام والثقافة، ومنح الاستثمارات،والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والهيئات التربوية، وخصخصة العائد الديمغرافي والرقمي، ونطاق المجموعات المحلية و المناطق الحرة ، وصناديق الاستثمار والادخار في المجالين البشري والتنموي، يجب أن تحصن المشترك من التجزئة والتقسيم، ومن الجشع والاتجار غير المشروعين.

خاتمة رسائل هذا اليوم، والأيام دول، أن عشرة في عمر بناء الأمم والدول قليلة، ولكن ان أحسنتم نقد التجربة وبينتم محاسن الأيقونة، وأخطاء الحسابات الشخصية،

وطرحتم أسس المصالح العامة، والمشتركات الجامعة،

وجليتم لنا الأخطار المهددة، والعدو المشترك بأحلاسه وأشواكه ، وحددتم بوضوح خيارات المستقبل المشترك ، والمستقبل الآمن ، والمستقبل الجامع،فأنتم جزء من هذا المستقبل الرائع.

والمستقبل هو دائما ملك لمن لا يخدعرئيسه ومرؤوسيه، وطنه ومواطنيه، حزبه ومتحزبيه، نضاله ومناضليه، اتحاده واتحادييه ،عملته وعمالته، والحق ما شهد به شاهدهم، فقد قال ابراهام لينكولن الرئيس الأمريكي السادس عشر الذي نجح في القضاء على الحرب الأهلية الآمريكية:

” قد تخدع كل الناس بعض الوقت ، ويمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت ، ولكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت ”

ومن نقد المآلات أن أمة لا تعرف عدوها وصديقها ، ولا تحترم قائدها، أو لا تقدس مقدساتها ، ولا ترفع من شأن أخلاقها، ولا تحترم بناتها،وانجازاتها، ورجالها الشجعان، ولا تحرر الطاقات وتسنح الفرص للمواهب والكفاءات، وتبني الصدق حالا لا شعارا، والإخلاص خلاصا لا قمصانا، أمة إلى زوال.

لقد أسس الرئيس محمد ولد عبد العزيز فضاءات رحبة للحرية استغلها البعض لهدم المشترك وحرق المقدس، واستغلها البعض لتصفية حساباته، يجب أن نحمي هذه الفضاءات ونحمي حريتها السياسية والدعوية والحزبية والفكرية، بثلاثية :المهنية والرسالية والمؤسسية.،وأن نرفض بحزم دعاة الانغلاق والاستبداد ،وحرق المراحل أو تكميم الأفواه.

لقد أرسي الرئيس محمد ولد عبد العزيز مقاربة أمنية ودبلوماسية وتنموية شاملة، أسست لأن تكون موريتانيا، الآمنة والمتصالحة مع ذاتها، جزيرة يسطع ألقها في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي، وهذه المقاربة يجب أن تدعم بجاذبيتنا الثقافية التي لا إكراه فيها، وأخوتنا الدينية التي لا رشوة تؤزها، وهذا يعني رفض أن يحتوي البيظان شمال بربري أمازيغي مترطن، أوثقافات سرقلة والبولار والولوف والفلان وبنبارا جنوب افرانكفوني أعجمي .، ورفض أن يستولي نموذج ديني متطرف أوبدعي مترهل على أقدس ما نملك، ثلاثية حكمت نسيجنا الفكري وصناعتنا المحظرية،فنحن موالك فقها، ونحن أشاعرة عقيدة ، ونحن جنيديون تصوفا، نكثر التلاوة والذكر ، ونزأر إلي حصنهم زأرا.

هذا البلد لن يسام خسفا ، ولن يضام مسخا ، ان ظل حكما ونطقا ،لسانه عربي مبين، وقوافيه صرح منيع ومتين.

وهذا البلد لا يمكن أن يسلم المقود إلى من يفرط في مئذنة حي على الفلاح، ولا في كتاب دعا إلى الفلاح، ولا في أرض عبدت بمداد العلماء ودماء الشهداء.

حي على الفلاح تردد في الأذان عشرا، في الفرائض خمسا

صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعتمة، فأي الفريقين أحق بالأمن، ان ركعت وسجدت وسبحت اصابع المسلمين العشرة؟

بقلم : محمد الشيخ ولد سيد محمد/ أستاذ وكاتب صحفي.

Exit mobile version