الفقيه محمد الامين الشاه يرد على منتقدي فتواه بزواج المرأة بدون ولي

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, و الصلاة و السلام على محمد خاتم النبيين, و على آله و صحبه و المهتدين بهديه إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الفقير إلى رحمة مولاه محمد الأمين الشاه, إمام مسجد الخيف في مقاطعة تيارت بمدينة نواكشوط عاصمة موريتانيا, عفا الله عنه ونصره وعافاه:

لقد كتبت مؤخرا عن الولاية في النكاح مقالا لم يكن رأيا ولا مقايسة، وإنما هو نقول وأقوال معززة بأدلة واضحة كالشمس رأد الضحى، وما كتبت إذ كتبت بحثا عن شهرة أو مكانة اجتماعية أو إدارية، فأنا راض بما قسم الله لي من ذلك، ولكني من موقعي كفقيه يعايش الناس ويعيش تحولات المجتمع وواقع الأمة، رأيت أن التمايز الطبقي وتكريس مبدأ الكفاءة بالنسب، وتفكك الأسر، وعضل الأولياء، بل وغيابهم في الكثير من الأحيان، وترهل وتعقيد وصعوبة الإجراءات القضائية….

أمور لا تمكن مواجهتها إلا بمراجعة مفهوم الولاية، بما ينسجم مع نصوص الشرع ومبدأ اليسر والتيسير، اللذين عليهما بنيت هذه الشريعة السمحة.

وبديهي أن ما كتبته ليس ملزما لأي كان.

وقد تابعت ردود الأفعال، وكانت بطبيعتها متباينة مختلفة، منها ما هو بحث مؤصل ومنها ما هو تكرار لأقوال لا أزمة لها ولا خطم، ومنها ما هو حيدة وخروج عن الموضوع.

وهو أمر ملائم لطبيعة الأشياء، فنحن ما كنا يوما, ولن نكون على درجة واحدة: فمنا الباحثون المستنيرون المتبصرون, ومنا المقلدون الجامدون, ومنا دون ذلك: كنا طرائق قددا .

لكني رأيت أقواما تكلفوا وأبعدوا النجعة فوضعوا الأمور في ليل منازلها، خبط عشواء وخلط حابل بنابل، بل قالوا وتقولوا كثيرا، وكتبوا واستكتبوا كثيرا، فما أغنى عنهم ما كانوا يكتبون, إذ ما زلنا في بداية السطر.

ولن أطيل عليكم, فما أنا بعائد إلى عرض ومناقشة الأدلة, فهي في البحث المذكور مبسوطة وكما يقول سدوم:

حديث معاد افمقصود امنينتم ألاينعاد

معاد اعل مفادعود ذاكلا حديث معاد

والشاعر يقول:

إذا جلست إلى قوم لتؤنسهم بما تحدث من ماض ومن آت

فلا تعيدن حديثا إن طبعهم موكل بمعادات المعادات

لن أطيل إذن وإنما هي مجرد أسئلة, أتوجه بها إلى من نصبوا أنفسهم جنودا يدافعون عن المذهب والملة، يرددون عبارات جوفاء وصيغا جاهزة، ويدورون في حلق مفرغة، أقول لهم كجنريك بداية ما قاله العلامة المختار ولد حامدن:

أعوذ بحافظي من شر شيعه علي تشيع تبديل الشريعه..

فيا من تحرصون على حماها لتحموها من البدع الشنيعه

بنص أوبإجماع فأدلوا ولا تدلوا بظلم أو وقيعه

فإن الظلم مرتعه وخيم وإن شرابه لسراب قيعه

مشاعة الشريعة لا تخلها تخص بشيعة من دون شيعه

وزعم العلم والتقوى مشاع كذلك شائع فينا طبيعه

فهذا بات رابعة بدعوى وهذا ظل بالدعوى ربيعه

ولكن من أبو تلك الدعاوي؟ وأية شيعة أهدى شريعه؟

يسر بما لديهم كل حزب ويحسب أنه الحسن الصنيعه

ثم أسألهم:

أولا: تقولون إن رواية ابن القاسم عندكم مقدمة على ما سواها، وقد تركتم من صلاتكم خمس أو ست سنن ثابتة عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، وضربتم بها عرض الحائط لأنها رواية ابن القاسم!

ولم يقتصر الأمر على الصلاة بل حولتم سننا صحاحا إلى مكروهات، تنهون عنها وتنأون عنها، لأنها رواية ابن القاسم!

فما هو موقف ابن القاسم من الولاية في النكاح؟

تجهلون أم تتجاهلون؟

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

يقول عبد الرحمن ابن القاسم العتقي: إن الولاية في النكاح ليست واجبة, ولا هي من شروطه ولا من أركانه بل هي مستحبة فقط.

راجعوا ما نقله الإمام ابن عبد البر (.. وأما رواية ابن القاسم وما كان مثلها عن مالك فهو نحو قول أبي حنيفة والكوفيين …)

طالعوا الإستذكار. ج 4. ص .28 نشر: المكتبة الشرعية بيروت.

وراجعوا ما نقله ابن رشد الحفيد، وهو بلا ريب إمام وعلم من أعلام المذهب:

(.. وقال أبو حنيفة وزفر والشعبي والزهري: إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جاز, وفرق داود بين البكر والثيب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب ….ويتخرج على رواية ابن القاسم عن مالك في الولاية قول رابع أنها سنة لا فرض)

و يضيف ابن رشد:

(لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولي في النكاح فضلا أن يكون في ذلك نص، فالآيات والسنن التي جرت العادة في الاحتجاج بها عند من يشترطها هي كلها محتملة….)

ثم يقرر أنه ( لو قصد الشارع اشتراط الولاية لبين جنس الأولياء وأصنافهم ومراتبهم فإن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز….).

راجعوا بداية المجتهد لابن رشد. ج 2. ص .15 نشر: دار بدر.

ثانيا: وفي نفس السياق، هل نسيتم أم تناسيتم, أم جهلتم وتجاهلتم أن الإمام مالك بن أنس رحمه الله، قد تردد أكثر من مرة في شأن الولاية؟

قال ابن عبد البر:

(وأما المرأة تجعل عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي لها فيعقد نكاحها, فقد اختلف مالك وأصحابه في ذلك, ففي المدونة قال ابن القاسم: وقف فيها مالك ولم يجبني عنها ….)

راجعوا الاستذكار لابن عبد البر. ج4. ص 319 . نشر: المكتبة العصرية ـ بيروت.

وكذلك نقل ابن خويزمنداد عن مالك:

(اختلفت الرواية عن مالك في الأولياء, فقال مرة كل من وضع المرأة في منصب حسن فهو وليها سواء كان من العصبة أو من ذوي الأرحام أوالأجانب …)

راجعوا القرطبي. ج 3. ص 467. نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.

والآن وبعد أن بان واستبان لكم ولكل ذي بصر وبصيرة، أن الولاية ليست محل إجماع في المذهب المالكي، وكيف ينعقد دون الإمامين: ابن القاسم وابن رشد؟

فاعلموا أن عددا غير قليل من أئمة التابعين وتابعيهم لا يرون الولاية في النكاح و أنه للمرأة تزويج نفسها من كفء, فقد رأيتم كيف أن ابن شهاب الزهري و الشعبي وأبا حنيفة وزفرا يقولون: إذا زوجت المرأة نفسها كفؤا بشاهدين فذلك نكاح جائز.

والإمام الأوزاعي يقول: إذا ولت أمرها رجلا فزوجها كفؤا فالنكاح جائز, وليس للولي أن يفرق بينهما.

ويقول داود ابن علي إمام الظاهرية: الثيب تزوج نفسها….

ثم تعالوا بنا:

إن فروعكم وفتاواكم تميز بين نوعين من النساء:

(شريفة لها في الناس حال): فهذه لا تتزوج عندكم إلا بولي، ولا يتزوجها إلا كفؤ لها!.

(دنيئة ليس لها في الناس حال): وهذه تتزوج بلا ولي, ولا تشترط لها الكفاءة (لأن كل واحد كفؤ لها!)

وتقولون: إن الدنيئة هي السوداء والمعتقة! …

فهل يعتبر سواد اللون عندكم دناءة؟

هل كل من اسود لونه يكون دنيئا عندكم؟

هذا كلامكم, راجعوه في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. ج 3. ص 467 . نشر: وزارة الأوقاف القطرية.

وراجعوا الإشراف لابن المنذر. ج4 .ص 34 .

إنكم لتقولون قولا عظيما!

قول مردود شرعا ومستهجن طبعا.

أيها السادة:

لقد افتريتم على الدين، وشرعتم شرائع لم يأذن بها الله، وصاد متم بأقوالكم محكم الكتاب وصحيح السنة، فاتسع الشرخ بينكم وبين الناس وابتعدتم عن الواقع، وعن مقاصد الشرع، وقذفتم بالغيب من مكان بعيد …فراجعوا كتبكم وصححوا أخطاءكم.

وظني أنكم لن تفعلوا, فقديما نصح النابغة الغلاوي وبين وأٍرشد, ولكن لاتحبون الناصحين والشيخ بابا ينادي:

لا خير في دين لدى خير القرون منعدم أحدثه من لم يرد شرع بأنه عصم

من بعدما قد أنزلت اليوم أكملت لكم..

ويحذركم من تقليد فيكم أعمى وبدع فيكم تتوارثها الأجيال, وأن الشيخ في هذا الزمان الحاضر, ليس كما تسمع في ابن عاشر.. فثارت ثائرتكم ولولا رهطه لرجمتموه.

وقام فيكم محمد فال ولد بابا ولد أحمد بيبه واعظا وخطيبا يقول:

لأصل حديث الهاشمي قطعتم وقد أمر الله العظيم بوصله

وإذ عز تفهيم البليد فإنما يقال له قول الخليل لنجله…

فحصتم حيصة الحمر الوحشية, وقلتم: لانريد ولانشاء.

واستل محمد ابن أبي مدين الصوارم والأسنة للذب عن السنة, فعارضتموه وجادلتموه.

وقبله أبوه يحذركم من الاكتفاء بالمختصر دون نقد أو تمحيص فيقول:

ما كل ما قال أب المودة يكون راجحا لدى الأئمة

فاحذر من القول به قبل نظر ما في الشروح والحواشي والطرر..

وبائية الشيخ سيد المختار الكنتي؟ أليس يقول فيها:

وإن تبتغي إتقان مذهب مالك فنص الموطا حققنه وانتسب

ومن بعده جاءت فروع كثيرة وأتقنها اختصار نجل الذي حجب

وأنفعها نص الرسالة قبله ونص خليل جاء بالدر والخشب

يعني أن مالكيتكم لم تأخذوها من موطأ مالك, وأن المختصر فيه الصحيح وغير الصحيح, وأنكم واقعون في أخطاء كثيرة.

ويا طالما نصحكم بداه وولد محمد آسكر وبدر الدين ولد عمار ومحمذن بابكر ولد احميد وآبه ولد اخطور والمأمون ولد الصوفي .. وغيرهم من أولي الألباب, لكنها ظلت صيحة في واد, ونفخا في رماد.

ويبدو أن ولعكم بالمدونات قديم تليد, ولعكم بالمدونات راسخ متجذر..قوي شديد, فمدونة سحنون عندكم مقدمة على الموطأ, بل مقدمة على الصحيحين, ومدونة الأحوال الشخصية عندكم تخصص مطلق النصوص وتقيد مطلقها, ناسخة لمحكمها, فكلما وعظ واعظ أو خطب خطيب, أو تكلم فقيه قلتم: هذا أمر حسمته المدونة وهذا من باب انفصام الفتوى عن الواقع, ومتى كانت مدونة الأحوال الشخصية يحتج بها في دين الله؟

رحم الله أبا عمرو ابن العلاء, كان يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجبوا من العجب.

ومن باب النصيحة أقول لكم: راجعوا حساباتكم ومنطلقاتكم, راجعوا كتب مذهبكم.

وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.

وأخيرا وكجنريك نهاية, أقرأ عليكم هذه الأبيات الدالة الرامزة اللماحة، أبيات تجدونها في كتاب الذهب الإبريز لمؤلفه الشيخ محمد اليدالي رحمه الله, عند تفسيره لفواتح سورة النساء:

أهل الرياء لبستم ناموسكم كالذئب يدلج في الظلام العاتم

فملكتم الدنيا بمذهب مالك وقسمتم الأموال بابن القاسم

وركبتم شهب البغال بأشهب وبأصبغ صبغت لكم في العالم

راجعوا الذهب الإبريز ج.2 ص 313 نشر: مركز نجيبويه

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

محمد الأمين الشاه

4.11.2017 نواكشوط.

Exit mobile version