9 .وضع نظام تقييم دائم
يحتاج نظامنا التعليمي بصورة ملحة إلى نظام تقييم مرن وفعال كما هو الحال في اليابان.فكما تم ذكره سابقا، في اليابان يتم تقييم المدارس وتفتيشها من قبل البلدية ومجالس التعليم تأمينا منهم للتوجيه الخارجي لإدارة المدرسة والمناهج الدراسية والتعليم. كما يتم تقييم الطلاب بواسطة امتحانات وطنية ودولية. و يطلب من المعلمين أيضا تجديد معارفهم التعليمية سنتين، من خلال شهادات التطوير المهني لضمان تحيين مهاراتهم ومعارفهم..وبشكل مشابه، ينبغي أن نراجع نظام التقييم عندنا لكي يكون قادرا على قياس مخرجاتنا التعليمية بالمصداقية المطلوبة عالميا. وستكون إحدى مخرجات نظام التقييم المستمر إنشاء نظام معلومات إدارة التعليم الذي ينبغي أن لا يهدف فقط إلى جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها، بل يجب أن يستخدم أيضا في صياغة سياسات التعليم وإدارتها وتقييمها. ومثل أي علاج، ينبغي تحديد المشاكل من خلال تحليل مفصل وعلمي من أجل التمكن من اقتراح حلول لها.
10.تجنب المشاكل التي تعاني منها اليابان
على الرغم من تعدد أسباب المشاكل التي يواجهها المجتمع الياباني إلا أن معظمها ناتج عن التخلي عن روح تقديس الأسرة و المجتمع. وربما نتج هذا التخلي عن المنافسة المحمومة من أجل الحصول على أحسن مدرسة وأحسن عمل حيث لم يعد يكفي أن يكون الإنسان الياباني متعلما فقط و ذا وظيفة عادية من أجل العيش السعيد في اليابان. حيث لا يوجد في اليابان اليوم من لم يكمل الإعدادية. ولذا يذهب العديد من الإفراد ضحية الضغط الجسدي و النفسي الذي تفرضه هذه المنافسة المحمومة. ومن هذا المنطلق يجب تصميم المنهج الموريتاني بحيث يعطي الوقت الكافي للطالب لكي يتمتع بصحبة الأسرة والمجتمع وذلك لتجنب المشاكل التي تعاني منها اليابان.
12.ملاحظات أخرى: . سر نجاح العصرنة في اليابان
بعد زيارة اليابان و إجراء البحث الاستقصائي لواقع التعليم فيها يجد المرء نفسه مضطرا للتساؤل عن سر نجاح العصرنة فيها. إلا أن نظرة متأنية ستقود إلى طرح العوامل الأربعة التالية في الاعتبار:
1 – جودة التعليم
يصف روهن (1995) النجاح الياباني في التعليم بأنه ارتفاع معدل النجاح الذي يصاحبه قلة اختلاف نسب الطلاب عبر الدولة مع قلة التكلفة. وفي الحقيقة كان لارتفاع نسبة الطلاب الذين يتجاوزون إلى الثانوية في السن مابين 16 و 18 بنسبة (96.1%) و الجامعة في السن مابين 18 و20 تأثيرا كبيرا في القضاء على الأمية بشكل ملحوظ إلى درجة أن دراسة مؤشرات الأمية في اليابان لم تعد تعتمد على قدرة القراءة و الكتابة فقط بل تتعدي إلى محو الأمية في الرياضيات و العلوم و حل المشاكل. و ربما من المفارقة احتلال اليابان المرتبة الرابعة عشرة (14) عالميا في القراءة والكتابة بينما تحتل الدرجة السادسة (6) في الرياضيات و الرابعة (4) في حل المشاكل و الثانية (2) في العلوم (OECD PISA ;2003).
2 – النظرة اليابانية للتعلم
لقد استوحى اليابانيون حب التعلم من الفلسفة الكنفوشيوسية و ترجموا ذلك في تبني مبدأ “وا كون يو صاي” أي ” الخبرة الأجنبية مع الهوية اليابانية”. و انطلاقا من هذا المبدأ طالب الياباني نفسه بتعلم جميع العلوم الغربية لا من أجل تبنيها أوإسختدامها بشكل أعمي بل من أجل تحسينها و تطويعها للثقافة اليابانية. وهكذا فمع وعي غالبية اليابانيين أن الجوانب التي تميز هويتهم هي اللغة و حقوق الإنسان و التراث الثقافي و التاريخ و الطابع الليبرالي في الحياة (Nakamura,2004) إلا أنهم لا يملون من إرسال البعثات إلى الخارج واستقدام أي خبرة أجنبية تعزز مكانتهم العالمية.
3 – ثقافة السلم باستثناء في الفترة ما بين 1903 إلى 1945 التي تعتبر من أسوأ فترات البلد.
على الرغم من تاريخ اليابان الطويل مع السلم والذي تعتبر فيه الفترة المذكورة استثناءا إلا أن معظم اليابانيين لا يغفرون لأنفسهم دخول الحرب العالمية رغم أن الدخول فيها فرض على دول عديدة من العالم ويكاد يتفق كل اليابانيين على أنها غلطة يجب أن تكون الوحيدة من نوعها في تاريخ اليابان. ولهذا السبب لا يزالون يتمسكون بكل قوة بالفقرة التاسعة من الدستور الياباني التي تنص حرفيا على أنه
“وإذ يتطلع الشعب الياباني بإخلاص إلى السلام الدولي القائم على العدل والنظام، يتخلي الشعب الياباني إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للأمة والتهديد باستعمال القوة كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية … من أجل تحقيق الهدف من الفقرة السابقة، لن يتم الإبقاء على القوات البرية والبحرية والجوية، فضلا عن إمكانات الحرب الأخرى. ولن يتم الاعتراف بحق تحارب الدولة “.
وهكذا فقد وافق 70% من اليابانيين- في استبيان أجرته قناة NHK سنة 2003-على أن هذه المادة مهمة و أنها تحافظ على مسيرتهم السلمية نحو التميز و العصرنة. في حين ذهب معظمهم في استبيان ذي عينة تمثيلية المشاركة في الحرب إذا دعت حكومتهم إليها (Nakamura,2004).
4 – التعلق بروح الانسجام و نبذ الصّدام
تأثرا بالتعاليم الكنفوشيوسية ينزع الياباني إلى تغليب مصلحة الجماعة (الأسرة والعائلة والمجتمع) على المصلحة الذاتية وذلك بحثا عن الانسجام و عدم الصدام. ومن بين المظاهر السلوكية التي تترجم هذه النزعة روح التواضع. وفي هذه السياق أظهرت نتائج استبيان عالمي تم إجراءه سنة 2000 على عينة 1000 مشارك من كل دولة من مجموعة من عشرات الدول أن اليابان احتلت الدرجة 71 بعد كثير من الدول التي تضم دولا من محيطنا الثقافي و الجغرافي وذلك ردا على السؤال “هل أنت فخور بدولتك؟” و الجانب الرئيسي الذي يفتخر به اليابانيون حسب هذا الاستبيان هو التقدم العلمي و التكنولوجي (لاحظ أنهم في الدرجة 2 في محو الأمية في هذا المجال).
الخاتمة :
يمكن التأكيد أن الدرس الأساسي المستوحى من التجربة اليابانية هو أن رأس المال البشري هو أساس التقدم و التنمية ، و أن الاستثمار في البشر هو أغلى و أضمن استثمار للمستقبل ، نظرا لأنه يؤمن تذكرة للولوج إلى الاقتصاد المعرفي الذي هو عماد الحياة الإنسانية في انعطافتها التى نعيشها الآن .
و بناء على ذلك فإن إصلاح التعليم في موريتانيا يتطلب فهم هذا الدرس جيدا من صناع القرار و قادة الرأي العام من أجل إنقاذ البلاد من خلال التعليم الذي به نكون ومن دونه لا نكون .
**************** *****************
ملاحظة:
*** شكر خاص للدكتور البكاي ولد عبد المالك والدكتوراحمد ولد نافع علي القراءة التحريرية للورقة.
*** بإمكان القراء المهتمين بالتعليم واللذين لديهم أراء واقتراحات بخصوص هذا المقال أو بخصوص جوانب أخري من التعليم التواصل معنا علي البريد الالكتروني:elmoctar1969@yahoo.com
د. المختار ولد حنده-أستاذ محاضر-قسم اللغة الانجليزية- جامعة نواكشوط العصرية