سياسة “الويسترن يونيون”: نهاية جيل

بعد أسابيع من انتظار تعليق على التسريبات من طرف السياسي المخضرم موسى فال، تفسر علاقته بشراء الذمم والتحريض على العنف، بعد ورود اسمه في هذه التسريبات، اختار الرجل سياسة الهروب إلى الأمام من خلال اجترار ادعاءات قديمة غير مؤسسة تثير من التساؤولات أكثر مما تقدم من الإجابات عن المشروع الذي تُقدمه المعارضة كحل للمشاكل المفترضة التي يعاني منها البلد، وعن مدى استعدادها لاستحقاقات 2019، والجديد الذي تُقدم لنشطائها باستثناء الخلافات والتناحر على التحويلات العابرة للحدود والمصالح الحزبية الضيقة كما عودتهم منذ استحقاقات 2007.

إن اختصار التحسينات، التي أدخلت عبر الاستفتاء على نظامنا الديمقراطي و بعض رموزنا الوطنية، من طرف النظام وجزء معتبر من القوى المعارضة، في محاولة تمهيد الأرضية لمأمورية ثالثة، يبقى من قبيل تهيئ الذهنيات لخسارة استحقاقات قبل سنتين من تاريخ دخولها.

كما يشكل الحديث عن الخيْرات التي يزخر بها البلد مغالطة توحي لسامعها بأن هذه الخيرات سقطت من السماء دفعة واحدة مع تولى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد عبد العزيز للسلطة سنة 2008.

لقد كان بحر ووجه وباطن هذه الأرض الطيبة المعطاء يزخر بالخيرات أيام كنتم ممن يصنع سياسات هذا البلد، لماذا لم تقوموا بما عجز عنه النظام اليوم حسب تعبيركم؟

إن الحقيقة التي تخفون رغم أنها بادية للعيان، هي أن موارد البلد كانت توجه للمصالح الخاصة، وهذا ما يفسر حجم الانجازات خلال العشرية الأخيرة، والتي ضاعفت عدة مرات ما تحقق خلال العقود السابقة، حيث تضاعف إنتاج الطاقة، وعائدات الصيد، وزادت البنى التحية من منشآت تعليمية وصحية وطرقية، وارتفعت كتلة أجور للموظفين؛ مصداقا لنجاعة السياسية الإصلاحية التي انتهجها النظام.

الثلاثة والعشرون.. الأغلبية الواسعة..!!

أما استحواذ الزمرة المحيطة بالرئيس على خيرات البلد فيبقى حديثا تعوزه الأسماء والأرقام والأدلة، فما الذي يمنعكم من التحديد إنصافا لغير الفاسدين، وتحميلا للمسؤلين عن هذا الفساد المفترض لمسؤولياتهم. إن اختصار المعارضة التي وصفتها بالخنق في مساءلة 23 شخصا أغلبهم من الموالاة يتطلب اعتذارا لمجموعة معتبرة من الموريتانيين المعارضين خصوصا ممن غرر بهم والذين حجبت عنهم حقيقة هذا النضال الذي يهدف إلى تحقيق مصالح شخصية أكثر من تحقيق مصالح مجتمع يهمه توفير الماء والكهرباء وتوفير ظروف صحية وتعليمية مناسبة له، ودعما للقوة الشرائية لطبقاته الهشة.

بيع المدارس وبناء المؤسسات التربوية..!!

إن وصم الرئيس ببيع “المدارس” ينفيه تشيده خلال سنة تعليم واحدة (2015ـ2016) وعلى ميزاينة الدولة 75 مدرسة ومؤسسة ثانوية، كما تم بناء 101 منشأة تعليمية أخرى لتكون الحصيلة 176 منشأة تربوية موزعة على النحو التالي : 106مدرسة ابتدائية و50 إعدادية و18مؤسسة ثانوية ومدرستين لتكوين المعلمين.

إن ما تم بيعه سبق وأن أخرج من الخريطة المدرسية بناء على أن هذه الأماكن لم تعد بيئة مناسبة للتعليم، إن من يريد للدولة أن تتنازل عن المدارس بأوقية واحدة كما كان يحدث أحيانا في السابق، يفكر خارج الزمن، لقد كان بإمكان النظام أن لا يبيع هذه البنايات مقابل عدم إنشاء هذا الكم من المؤسسات التي كلفت الميزانية مليارات الأوقية.

مسيرة العار..!!

أما الحديث عن مصادقة الجمعية الوطنية على التعديلات الدستورية ووصف رفض الشيوخ لها بأغلبية واسعة يشكل قفزا على حقيقة أن عدد نواب الجمعية الوطنية الذين صوتوا 141 من بينهم 121 صوتت لصالح التعديلات بينما صوت 33 من مجلس الشيوخ ضد هذا التعديلات مقابل 20 صوتت لصالحها، ترى أيهما يمكن أن يوصف بأنه صوت بأغلبية واسعة؟

بخصوص مسيرة 29 أكتوبر فلن أزيد فيه على ما قيل في التسريبات حيث قال مسيرها المالي” …لم أقبل أن تكون مصاريف المسيرة وسيلة “للتيفي” الأحزاب أو مناضليها بهذه الأموال..”

“كنت خائفا من ” أميسيرتهم”… لولا تدخلك ـ يقصد الممول ـ لما كان بالإمكان تنظيم هذه المسيرة الضخمة، يجب أن يؤكدوا امتنانهم لذلك ويحفظوا الجميل، ويجب أن يعرفوا أن خطهم السياسي يجب أن يخضع لما نريد، وذلك ما يمكن أن يفرض عليهم من خلال نوع من المعاملة معهم، ولذلك أريد “موسى” الذي يكلمك في الهاتف أن لا يفهم فيك أن المنتدى يقدم لك خدمة، وإذا كنت قد كلمته في الجانب المالي أريد أن أكون على اطلاع على ذلك”.

اعتقد أن مسيرة هذا رأي القائمين عليها كان ينبغي ضرب الصفح عنها حتى لا تنكأ الجراح، أما وقد حاولتم أن تجعلوا من المعرة عملا بطوليا، فإني لا أجد تفسيرا لذلك إلا أن المقال برمته بيان تجديد ولاء لجهات معينة، ربما أنقطع خط الاتصال بها بفعل كشف المستور، وتأكيدا على أن هذه التسريبات لم تفسد للود قضية، رغم أن هذا التأخير في تقديم الولاء يمكن تفسيره بأنه عتب كان يمكن أن يتحول إلى قطيعة، لكن مستوى غرق السفينة جعل القفز منها انتحارا، فخيار انتظار حدوث معجزة يبقى الخيار المنطقي لرجل عرك السياسة؛ وطالما ترك الباب مواربا أمام مختلف الأنظمة على مدى أربعة عقود.

أريد “موسى” أن يفهم..

ومع ذلك فأنا أريد “موسى” خلافا لبعض رفاقه في المعارضة المقاطعة أن يفهم أن الاختلاف في طريقة تسيير البلد ـ بافتراض أن هذا هو دافعه للمعارضة ـ لا يستدعى التقول لهذا الحد، وأن وطنا منهارا لن يفيد النظام كما لا يمكن أن يفيد المعارضة، وأن الحل هنا في نواكشوط ولا يمكن أن يوجد في أي مدينة من مدن العالم شقيقة كانت أو صديقة.

وأن رد الجميل لا يمكن أن يكون على حساب الشعب، حتى لو كان الرجل الذي تردون له الجميل اليوم سبق وأن حل مشكلة بنك “الإسكان” وأعاد المبلغ الذي تم الاستحواذ عليه من طرف الزمرة التي شاطرتكم الغنيمة حينها.

إن من يريد التغيير من أجل الإصلاح، يفترض أن يكتب للرأي العام الوطني صاحب الحل والعقد في نظامنا الديمقراطي، من خلال الصحف والمواقع الوطنية التي تضمن النشر المجاني، بدل الكتابة في وسيلة إعلام أجنبية مما يكشف أن المقال تأكيدا على مواصلة دفع فوائد ديون لرجل بنوك وأصدقائه في الخارج.

يبقى السب والتجريح في حق فخامة رئيس الجمهورية الذي كان ميسم مقالكم، رغم سنكم وتجربتكم السياسية، أسلوبا مبتكرا للمساهمة في تكريس الهبوط بالخطاب السياسي إفسادا لعقول الشباب والطبقة السياسية الجديدة بعد أو أوصدت الأبواب في وجه الفساد المالي الذي لم يعد متاحا.

أحمد ولد محمدو

Exit mobile version