كلما تقدمت البلاد خطوةً إلي الأمام ، في إطار سياسة التنمية الواعدة تحت القيادة السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز ، أمبري لها ولقائدها المظفر من أبناءها من لا يزال يمسح دموع البكاء علي حقبة من الفساد مضت كان قد استأسد فيها حتى انتفخت مناخره وجادت عليه ببيت عِزِ أبي أن يظل ساكنه ،فهو يعلم يقينا بأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ، وأن من أهم ما يميز هذا الكائن هو القدرة علي التكيف …. إذ لم يرق لأخينا باباه سيدي عبد الله ، علي ما يبدو أن يتقبل بصدر رحب وروح رياضية ، تقلب الأحوال بعد مجيء ولد عبد العزيز ، ولم يشأ تصديق التحول العميق الذي حصل بخصوص الحرب علي الفساد ، فظل من موقعه كمستشار في الخارجية، في بداية عهد ولد عبد العزيز يتصرف وفق الطريقة المألوفة التي أصبحت مرفوضة ، فتورط في قضية صفقة جوازات السفر المعروفة ، وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير، الذي لم يقوي بعد علي حمل الأثقال .
عُزل من منصبه ، وشق عليه أن يبقي بين بني جلدته علي غير ما عهدوه عليه من نفوذ أبطال الظلام في أكل المال العام ، وأراد التعويض عن مجده الضائع بالبوح والنفخ من بعيد بين راحة يده وأصابعها شتما وذما دائما ومتواصلا لاينقطع إلا ليعود بأشد وأبشع مما كان،سالكا نفس الطريق موقنا أنها الطريق الصحيحة التي تربط بين نقد الكاتب ونقود رجال الأعمال.
ولقد استغربت ذهاب الرجل عن بلده ، مُهاجِرا هَجَّاءا مُجاهِرا ، كيف يَحْرم بلده من مواهبه العلمية وروحه النقدية ويضن عليه بحضوره ومعايشته أوضاع مجتمعه ليقف منه علي كل ما يحتاج الوقوف بعد التمحيص نقدا يكون هادفا وبناءً ، من أجل مجتمع راق ؟ وأُلفيه وقد استمرأ هِجاء بلده ، وقائده هِجاء مقذعا يأتينا من بلاد بعيدة قصية !! .
لم أفهم لماذا لم يبق الأخ الكريم في بلده ، وإن لم ترق له خدمة المجتمع علي نحو ما ذكرنا آنفا، ولم يجد نقدا بناء يتطاول به علي فخامة الرئيس ، مارس هواية الهجاء التي يتذوقها ، في بلده خصوصا أنه لا يخشي منعا ولا تضيقا ، أم أنه عصبي وشديد الغضب ،وأنه يعلم ذلك ،وهو يريد أن يرسل الهجاء جافا بلا شفقة ، ويخشي أن يرسله رطبا غير قاسي ولو مع الريق .
أشفق علي أخي الكريم ، مما يحسب أنه نقد أبدع فيه وأرضي الكثيرين ، ويظنه أحسن صنعا !! وهو في الواقع مجرد هجاء لا معني له ولا تأثير إلا عند من تعوزهم الكلمة لكنهم قادرون علي شراءها ، وهو في الواقع بائع ماهر في ترويج بضاعته .
أشفق عليه من حال الهَجَّاءِ الذي لا يُمتع ولا يُشفي الغليل ،فالهجاء غير محبب في الأصل ، ويزداد في هذه الحالة بسطحية انتقاداته وتفاهة مقاصده ، فالحر الكريم إذا لم يجد مبررا للكلام سكت وإن طال صمته، وكان شديد الرغبة في الكلام . لكن الهَجاءَ المهاجر: هَجاءُ الرئيس أو هَجاءُ (الجمهورية صفر) مع فهمه لذلك لم يسطع صبرا علي طول الصمت ، خصوصا أنه لم يصل بعد نهاية الطريق ، فقطع صمته الذي لم يستمر طويلا.
لم يفهم ـ وليته فهم ـ أن لا قيمة ترجي له ، وأنه صفر علي اليسار،إذ لم يجد وطنه منه ما تجد الأم من بنيها البررة ـ فنقد الأنظمة مقبول ومطلوب لكن في حدود ، في حدود النفع والجدوائية ،وعندما يتجاوز ذلك النقد مستوي النصح ينقلب ويصبح حراما لما قد يدفع البلاد إليه من متاهات فقد الأمن والاستقرار…أم أن ذلك لا يهمه وهو ـ في بلاد الهجرة معززا مكرما في العلن لكن….. وشواهد التاريخ كثيرة علي السقوط في وحَل الدناءة .. بالنسبة لمن يتمالء علي بلده ، ومن يقرع طبول الحرب عليه من الخارج أو معه ، أومن الداخل مستقويا به ، ويفخر ويرسل الصور معلنا أنه قد وصل مبتغاه عندما تربع بين سدنة المال مستبشرا مستمتعا بقرب طريدته التي لم يفكر قط إلا في اللحاق بها، سالكا كل السبل …علي إثرها يحثوا الخطي !!.
لكن هيهات هيهات .فثمرة عمرمليء بالمغامرات والتحديات …لا يمكن أن تدفع بسهولة لمن لا تُخفي قسمات وجهه أنه لا يقيم وزنا لأصحابها إلا من أجلها فقط ، وهما الذين يعلمان كل العلم أنه إنما يريد أن يصل إليهما في رحلة صيده المكشوفة ،وأنهما علي استعداد لاستقباله بنفس النية التي يركب إليهما ،كل منهم يضحك !! وكل منهم هدف للأخر!! إنها حرب الاستغلال المتبادل علي الهامش ولا منتصر فيها إلا من وضع حدا لها وآثر خدمة وطنه حبا فيه ولو كان عاصبا لطنه. أتمني أن يفهم أخونا باباه ذلك ولا يضيع وقتا كثيرا .السَّلامُ عليه إن ارعوى،فلا تثريب عليه ، ووداعا له إن لم تنته وتمادي ، فلن يجرنا خفافا إلي مستنقعه ،كما خف إليه وكفي به فيه.
سيد الأمين ولد باب