لسنا استثناء في الجغرافيا والانتماء وصناعة النخب، فنحن في المجال الجغرافي حضارة رحل أقلعت مزنها، وفي المصير والانتماء جزء من أمة مأكولة من قبل أمم احتلال تكالبت على قصعتها، فأكلت المرق وشربت العرق، وصنعت لنا –أمم الاحتلال والاستعمار- نخب فساد ترى مثلها في”التنوير” الغزاة، وفي “الجهاد” الغلاة، وفي “الأحزاب” أقزام المتكبرين الطغاة.، وفي”الترشح للمقاعد” حال قَلَسَتِ الكأسُ، إذا قَذَفَتْ بالشراب لشدَّة الامتلاء.
قال أبو الجرَّاح في أبي الحسن الكسائي :
أبا حَسَنٍ ما زُرْتُكُمْ مُذْ سُنَـيَّةٍ من الدَّهرِ إلاَّ والزُجاجَةُ تَقْلِسُ
**
غير أن موريتانيا الجديدة ، كانت استثناء في مشهد الإقلاع، ومشاهد “الركون” و”الكسل” الى الظالمين، فلم ترض أن تكون “ظهيرا” للمجرمين الصهاينة ، وعزفت أن تكون “رائشا” بين الراشي والمرتشي من السياسيين والشيوخ “المناضلين” والحكام “الهرمين أو المستبدين”، وتأففت من زعماء “المافيا السلطانية من معشر الكويدحين والمرابين ” ، الذين باعوا الوطن بالمزاد كما يبيعون ويهربون المالبورو ، والرهائن ، والعملات ،والسلاح ، وأنواع الويسكي، والعهر، والمكوس.
**
خرجت ساكنة انواذيبو لتحيي إنجازات قائد ثورة أغسطس، التي غيرت معالم العاصمة الاقتصادية، من
الأسوء الي الأحسن ، وتحدث الرئيس بصراحة وقوة، أمام الحشود الشعبية الكبيرة عن مسار التغيير الذي وفر شبكة طرق بلغت36 ألف كيلومتر مربع ، وشيد منطقة تجارية حرة وواعدة ، وميناء في المياه العميقة، ومطارا بمواصفات دولية، وتمت انارة المدينة ب10 ميغاوات، وقضي تماما على كانتونات العزلة والتهميش :”الكزرات” ، وتم تمليك أكثر من 5000 أسرة، كانت تسكن الأحياء العشوائية في مدينة نواذيبو، قطعا أرضية بمنطقة حيوية ومجهزة بمرافق (العبادة ، التعليم، الصحة، الماء، والكهرباء، والأمن).
**
موريتانيا الجديدة اليوم في الحكامة لا تشترى بمليارين ، وفي الحرب والسلم قلعة مهابة، وفي سطوع الحريات دولة مؤسسات مصانة، وبها رئيس منتخب ، لايبيع شركة اسنيم ، ولا شركة سونيمكس، ولا شركة سوماغاز بملء الأرض، ولو سأله “مسيلمة” وأحد “هرمي يثرب” ، شيئا من “مواد الدستور المحصنة ” ، لم يعطه : هذا “العود من أراك”.
قالتها الحشود الشعبية : لا مأمورية لهرم، ولا خوف على نهج أغسطس.
قليس، هرمي الخمسة وسبعين حولا، بال فيه سيف بن ذي يزن الحميري.
ومسجد الضرار ( نفاق أبو عامرالراهبُ المتنصر)، أحرقه الموحدون القادمون من غزوة تبوك.
وحديقة حصن أهل اليمامة ، اقتحمها البراء بن مالك بن النضر الأنصاري ، وفاح منها أريج مسك زيد بن الخطاب رضي الله عنهما.
وأصبحت الوجهة سالكة وسالمة لمن أُسِّسَ بنيانه عَلَى التَّقْوَى والصدق، عند التقاء الصفوف.
لم تعد ظنون “المتنورين المستهزئين” بالدين، والوطن ، والشعب،تصدق في حملة استفتاء، ولا في مخرجات حوار.، ولا في مسرحيات “خروج على القانون”
لم تعد رشاواهم تقود “ثورة خبز ،أوتمزيق مصحف، أو ركوب اضراب للسائقين، أوتعليق أجنحة لممثلين سياسيين، أو ركوب عواطف شرائح أو شبان” .
سلطة هذا البلد وسلطاته ، لم يعد يخدعهم أفعال من ساءت ظنونه، وهم بالحلم في كل الأحوال : أعز و أجدر.
صدق يراع أبو الطيب المتنبي، اذ يقول في الحالتين :(فعل المسيء، وفطنة الحليم) :
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه ** وصدّق ما يعتاده من توهمِ
وعادى محبّيه بقول عداته ** وأصبحَ في ليلٍ من الشك مُظلمِ
أصادق نفس المرء من قبل جسمِه ** وأعرفها في فعله والتكلمِ
وأحلم عن خلّي وأعلم أنه ** متى أجزه حلمًا على الجهلِ يندمِ
وإن بذل الإنسانُ لي جود عابسٍ ** جزيتُ بجود التارك المتبسِّمِ
ليس سرا اليوم، أن الشعب الموريتاني ، في كل ولايات الوطن ، خرج مساندا لفخامة الرئيس، وملبيا لنداءاته، ومثمنا لإنجازاته.
والكل يدرك في مشارق الأرض ومغاربها، أن الأحزاب اليمينية واليسارية، والأحكام الامعة الضعيفة ، تهاوت وثبت فشلها.
وأن خير أجير اليوم : القوي، الأمين.
وهما صفتان مخرجتان للأفاك الكذوب، وللمترب الضعيف.
والقوة والأمانة مطيتان لإقامة العدل بين كل أبناء ولايات الوطن.، العدل العمري، الذي لا يكبو جواده ، و الذي أنشد له حافظ إبراهيم رائعته فقال في مطلعها :
حسب القوافي و حسبي حين ألقيها **** أني إلى ساحة الفاروق أهديها
وقال فيها يذكر موقف عمر مع(جبله بن الايهم ) :
كم خفت في الله مضعوفا دعاك به **** و كم أخفت قويـا ينثنـي تيها
و في حديث فتى غسان موعظة **** لكــل ذي نعـرة يأبى تناسيـها
فما القوي قويا رغم عزته **** عند الخصومة و الفـاروق قاضـيها
وما الضعيف ضعيفا بعد حجته **** و إن تخاصم واليها و راعيها
وقال فيها يذكر موقف عمر مع(رسول كسرى ) :
و راع صاحب كسرى أن رأى عمرا**** بين الرعية عطلا و هو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها **** سورا من الجند و الأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى **** فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا **** ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره **** من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلا **** و أصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم **** فنمت نوم قرير العين هانيها
محمد الشيخ ولد سيد محمد/ أستاذ وكاتب صحفي