لقد أطاح برئيس مدني نظرا وأخضع بلاده بالحديد والنار لأكثر من عشرين عاما ونهب مواردها الضئيلة بالتواطؤ مع زوجته وحاشيته ونظم انتخابات ليفوز فيها فوزا كاسحا قبل إجباره على التنازل عن السلطة بعد اعترافه بهزيمته في الانتخابات الوحيدة التي جرت في ما يشبه الشفافية. لا شك أنكم عرفتموه جميعا وهو يحيى جامي، الدكتاتور الغامبي غريب الاطوار والذي تشبث، كما يفعل أي عسكري جيد، بسلطته حتى النهاية، قبل أن يستسلم عندما وصلت أصوات أحذية جيوش أخرى إلى أبواب بانجول. لقد هزم جامي من قبل مرشح لم يكن زعيم المعارضة الرئيسي (الموجود وقتها في السجن) وهيهات أن يكون شخصية لامعة، وها هو يعيش آلام المنفي وعما قريب الوحدة.
لقد حجزت السلطات الجديدة ثروته في غامبيا، حيث جاء ستة وثمانون من الحسابات المصرفية ومائة وواحد وثلاثون عقارا وغيرها من الشركات لتغذي الخزانة العامة التي أفلسها تسييره الكارثي. وجاء أحدث حلقة في هذا الانزلاق نحو الهاوية حيث طلبت زوجته زينب الطلاق. لقد شعرت السيدة يسميها الغامبيون “نهابة الذهب” أو “الشيطانة” أن الخناق يشتد حولها وفضلت الانسحاب. يبدو أنها لم تعد تطيق التصرفات الغريبة للرجل الذي سيصبح عما قريب زوجها السابق. لم يعد يمتلك السلطة وبالتالي فقد، مثل كل الطغاة من أمثاله، كل شكل من أشكال الجاذبية.
يا له من درس رائع في الحياة بالنسبة لأولئك الذين أقالوا الرؤساء و أطاحوا بهم وجعلوا أنفسهم جزءا لا يتجزأ من السلطة وحولوها إلى مصائدهم المحروسة و احتقروا معارضتهم ونظموا الانتخابات المزورة وداسوا دستور وقوانين الجمهورية، كما يحلو لهم، و خلطوا بين المال العام والأملاك الخاصة وجعلوا من منح صفقات التراضي لفائدة طائفتهم رياضتهم المفضلة، و يفاوضون كما لو كانوا رجال أعمال وبينون الفنادق والأسواق ويساهمون في البنوك والشركات، على مرأى ومسمع الجميع. وباختصار، يكدسون الثروات بشكل سافر، في حين ترزح الأغلبية الساحقة تحت وطأة الحياة القاسية على نحو متزايد. ويظنون خطأ أن ما حدث لجامي لا يقع للآخرين وينامون براحة بال حتى ينهار كل شيء فوق رؤوسهم وكأنه قصر من ورق. فلا الجيش ولا الحصون وبالأحرى الثروة التي تم تكديسها بشره مرضي يمكن أن توقف السيل. فعندما تدور عجلة التاريخ تسحق كل شيء في طريقها. واسألوا القذافي ومبارك وبن علي وكومباوري، وفي الآونة الأخيرة، جامي لأنهم يعرفون الأمر.
إن أي تشابه مع بلادنا هو من قبيل الصدفة بدون شك. ومنذ عام 2008، أصبحت موريتانيا جنة فوق الأرض. إن ديمقراطيتها تسير بشكل ممتاز تماما ورئيسها لا يهتم بخيرات الدنيا ويحرص فقط على رفاهية مواطنيه. سيكمل ولايتيه وينسحب بكل هدوء. ولا تهدف التعديلات الدستورية التي يقترحها سوى تصحيح بعض العيوب.
لعن الله من يظنه بسوء!
أحمد ولد الشيخ