“كرفاف” رغم وجوده في الحياة بالفعل، يتحول في القصص الموريتانية إلى حيوان أسطوري . و من أطرف ما يروى عنه أنه حين يفتك بضحيته يدخل رأسه في جوفها و ينهمك في ابتلاع أحشائها بنهم مجنون فتأتي الناس و تضع جبلا في رجله و تربطه بشجرة و حين يمتلئ بطنه يرفع رأسه للذهاب فيجد الناس من حوله في هرج لتقيم عليه الحد بأبشع مما أقامه على ضحيته.
هذا بالضبط هو ما حصل لولد عبد العزيز؛ فبسبب جهله و تخلفه و جوعه و انحطاط سريرته، اعتقد الغبي أنه يستطيع نهب ثروة بلد كامل مدة 10 سنين و الخروج منها مثل الشعرة من العسل.
و بعد تراكم جبل ثرواته في البلد و في المغرب و دبي و باريس و جزر الكناري و عدد آخر من الدول سينكشف حتما في ما بعد، رفع رأسه (أمام تكيبر على الأقل) و هم بالخروج ، فإذا به محاصر بهرج الناس من كل جهة : من يحصي حصيلة نهبه، من يطالب بشنقه، من يعد العدة لمحاكمته ، من يتوعد بالانتقام منه، من لا يريد سوى رأسه فقط: هروب المجرمين إلى الخارج لم يعد ممكنا .. البقاء في الداخل كان يعرف أصلا أنه غير ممكن ولا وجود لبرزخ على الأرض .
ـ لقد سقط ولد عبد العزيز عشرات المرات لكن ما كنا نسميه “ضعف المعارضة” كان ينقذه في كل مرة. و “ضعف المعارضة” يمكن أن لا يسقط نظاما، لكنه حين يصبح ينقذه ، يكون علينا فقط أن نبحث له عن صفة أخرى ..!
ـ سقط ولد عبد العزيز يوم تسجيلات آكرا و صناديق كومبا با
ـ سقط يوم اعترافات النائب الفرنسي مامير لرعايته للمخدرات
ـ سقط يوم “رصاصة أطويله” (في لكصر)
ـ سقط يوم شاحنة مفوضية الأمن الغذائي.
ـ سقط يوم قتله الشهيد الطالب احمد ولد حمود في احتجاجات المصحف الشريف (مارس 2014(.
ـ سقط يوم خطاب النعمة
ـ سقط يوم ميراث زوجة ابنه الأجنية لممتلكات شعب يتضور جوعا.
ـ سقط يوم فضيحة سونمكس .
و سقط ولد عبد العزيز ليلة البارحة (18 مارس 2017) لأن كل الطرق الشرعية سدت أمامه و لن يتردد قطعا في محاولة فرض بقائه بطرق غير قانونية، لكن الأيام القادمة ستؤكد للجميع أن ولد عبد العزيز سيظل من هزيمة إلى أخرى حتى يحط في السجن و إذا لم يرضخ ولد عبد العزيز لمنطق “أقل خسارة” لن يصل بأي معجزة إلى 2019.
في كل مرة يسقط ولد عبد العزيز، كانت المعارضة تظهر غير قادرة أو غير مستعدة لعمل المطلوب لسقوط عصابته.
و مشكلة المعارضة أو مشكلة موريتانيا على الأصح ليست في أن المعارضة غير قادرة أو غير مستعدة لإسقاط النظام و إنما في رفضها بقوة و استماتة و بمهارات عالية و روح قتالية لا تنهزم ، لظهور أي قوة بديلة لها على الساحة لتخليص شعبنا المستباح و بلدنا المنهوب من هذه العصابة الشريرة : كيف تظهر قوة شبابية مؤثرة على الساحة إذا كان النظام ضدها و المعارضة ضدها و الظروف القاسية ضدها ؟
و صراع المعارضة الداخلي لا يخفى اليوم على أحد و تفاصيل أسبابه لا تخفى على أحد و الشباب الموريتاني لم يعد يرضى أن تظل تضحياته و آماله رهينة صراع نفوذ بلا معنى . و ما يحدث اليوم في الأغلبية المزعومة من تراجع عن دعم عصابة تحكم و تنهب باسمهم من دون إشراكهم في الرأي و لا في الغنائم ، هو بالضبط ما يحدث على مستوى المعارضة المكذوبة .
لقد بدأ الشباب الموريتاني (و الشباب حالة فكرية لا مرحلة معينة من العمر) يدرك أنه الضحية الوحيدة لألاعيب السياسية على كل الجبهات. و هذا الإدراك هو ما يحاول اليوم أن يتبلور على الساحة في أنماط غير مألوفة تربك المشهد السياسي: كتاب، شعراء، فنانين، رجال أعمال، رسامين ، مدونين ، نساء، أطفال ، شيوخ، بدو ، حضر، مهاجرين ..
سيرى الجميع قريبا إن شاء الله، أن أشياء كثيرة تغيرت بما لم يكن يخطر لهم على بال و أن هذه المحنة التي تمر بها بلادنا علمتنا الكثير و أن كل من يقف في وجه عبور موريتانيا إلى الأمام هو من ستطحنه عجلات الحتمية التاريخية.
البارحة كانت ليلة صعبة على الجميع لأن ما حصل فيها سيترتب عليه تحول كبير في الشهد السياسي؛ إما أن يتوجه الجميع إلى انفراج سياسي يخرج البلاد من مأزقها الذي وضعتها هذه العصابة الشريرة فيه من خلال حوار شامل ، تفرضه “الأغلبية” العاقلة على ولد عبد العزيز و تفرضه الظروف على المعارضة و إما أن يتجه الوضع إلى مزيد من التعقيد لينهار النظام في وقت لاحق تحت ضغوط المعارضة و ما يسميها ضربات غدر موالاته التي ينسى أنه هو من بدأ بغدرها و احتقارها و الازدراء بها على كل الأصعدة.
و هذا الحوار الشامل المكلوب أصبح صعبا ، لأن الطريق الوحيد المفضي إليه بادر منتدى المعارضة ليلة البارحة إلى تسكيره نهائيا بتخطيط محكم و إرادة سياسية واعية جدا لما تريده . كان باستطاعة هذا الحوار أن يحصل في حالتين ؛ إما بطلب من العصابة التي بدأت تفهم أن عليها أن تفكر بطرق أكثر واقعية، تقدم حلولا لمشاكل الوطن لا لمشاكل ولد عبد العزيز الذي ورط نفسه في كل جرائم الكون. و إما بطلب من المعارضة الواعية لما بدأ يتضح أن ولد عبد العزيز يتجه إليه من مخاطر على الوطن بعد عجزه عن إيجاد مخرج آمن من الحكم.
قيام منتدى المعارضة ليلة أمس بالمطالبة بإطلاق حوار كانت مهمته هي تسكير هذا الباب ؛ فلا المنتدى يمثل خصما ندا للنظام حتى يقيم معه حوارا و هذا ما عبر عنه النظام بألف طريقة في حواره الماضي.
و لا المنتدى يمثل المعارضة الموريتانية ليطلب حوارا باسمها كما فعل البارحة. و مسابقته للزمن في طرح مبادرته تكشف بوضوح عن سوء نواياه و محاولاته اليائسة في التحدث باسم معارضة لها عليه من التحفظات (على الأقل) ما يكفي لإلحاقه بذيول الموالاة .
نحن في وقت أصبح فيه الحديث عن كل الحقائق المسكوت عنها واجبا مقدسا : لماذا يسارع المنتدى إلى إطلاق مبادرة حوار وطني من دون المشاورة و التنسيق مع المعارضة؟
الجواب لا يتطلب ذكاء خارقا ؛ يريد المنتدى إما أن يكون الحوار باسمه و إما أن لا يكون.
و على هذا الحوار اليوم أن يكون و عليه أن يكون بين عقلاء البلد و حكمائه، لا انتهازييه و أنانييه الذين أوصلوه إلى هذا المستوى من الإفلاس و الانحطاط.
ما ننتظره اليوم هو أن تتشكل لجنة من عقلاء البلد المشهود لهم بالتوازن و الحكمة و البعد من عقلية الانتفاع (من خارج الطيف السياسي الموبوء) و تقدم مشروع حوار لا تراعي فيه غير مشكلة الوطن ، تفرض فيه على الجميع الالتزام بشفافية إدارته و التقيد بمخرجاته و تنفيذ جميع بنوده.
و ما لم يظهر هذا الحل الذي أصبحت كل الظروف على الجبهتين تساعد في إمكانية بلورته كمطلب للجميع، لن يكون الاحتكام بعد اليوم إلا على الكلاشينكوف بعد فشل الحل (ا و ب) في مخطط إفلات ولد عبد العزيز و حاشيته الأسرية من العقوبة ، فانهيار السلطة المركزية و دخول البلاد في حرب أهلية هي البديل الثالث (ج) في حالة فشله في البقاء في السلطة أو تخليف من يحميه و قد فشل فشل ذريعا في الأولى و الثانية.
سيدي علي بلعمش