احترموا القضاء

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على نبينا محمد خاتم النبيئين وإمام المرسلين
أما بعد، فإن مما أحمد عليه ربي مما خصني به وحدي، أنه كلما أوقد الموريتانيون نارا للحرب أطفأها الله على يدي.
ظلم الشيخ محمد الحسن بن الددو بسبب كلمة قالها لا يلقي لها بالا، حيث كان في رحلة خارجية لبس فيها البنطال وربطة العنق، فسأله أحدهم: كيف كان لباس النبي الله صلى الله عليه وسلم؟
فأجابه: كان لباسه مثل لباس أبي جهل! فأنكر عليه الناس يومها وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، واعتبروه أول موريتاني يسيء في حق الجناب النبوي الشريف.
فبادرت بالإنكار عليهم، وقلت: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إن الشيخ الددو لم يقصد أي نوع من أنواع التشبيه المؤدي إلى الإساءة والازدراء، وإنما أراد أن يُبين أن الله تعالى أنزل اللباس سترا وزينة لبني آدم أجمعين، وهم في زينتهم مقلدون كفارا ومسلمين، فحيثما اتجهت إلى بلد فتخير من لباس أهله ما يناسبك تصب السنة، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وأظن أن الشيخ هكذا كان يقصد، وواصلت دفاعي عنه حتى
انطفأت تلك الفتنة، واستعاد الشيخ مكانته في قلوب من كانوا يعتبرونه مسيئا حسب زعمهم.
وانطلاقا من ذلك فإني أنصح الفقهاء والناس كلهم، أن لا يبالغوا في غلق باب التوبة أمام غَيْرِكُم، حتى لا يؤدي بهم ذلك إلى إغلاقه عن أنفسكم، اللهم إني أبرأ إليك من كل قول أو فتوى، يغلق باب التوبة أمام من يريد الرجوع إلى الله تعالى.
ظلمت الناشطة الحقوقية آمنة بنت المختار، وأصدرت الفتاوى بكفرها وهدر دمها، بسبب تصريح إذاعي تشوفت فيه إلى مساواة الرجل والمرأة في الميراث.
فاتصلت بها وتبينت أمرها، فعلمت أنها تثق بالقرآن، ولكنها لا تثق بفتاوى بعض الفقهاء، فدعوتها لمناظرة تلفزيونية على الهواء مباشرة، لأثبت للجميع أن الشريعة تنحاز إلى رأي هذه السيدة في المساواة، ولا تنحاز إلى رأي من يقولون إن الله أعطى للرجل أكثر مما أعطى للمرأة، وسبب هذا الغلط الواضح والخطإ الفادح أنهم نظروا إلى الحالات الأربع التي يكون فيها للذكر مثل حظ الأنثيين، وأغفلوا جميع الحالات والصور، التي يتساويا فيها أو يكون فيها نصيب الأنثى هو الأكبر، فظنوا أن الشريعة آثرت الرجل على المرأة والواقع أنها ساوت بينهما، بقسمة عادلة لا غبن فيها، ثم واصلت سردي لتلك الحالات والصور، التي تثبت أن نصيب الأنثى يساوي نصيب الذكر، فانشرحت الصدور وانطفأت تلك الفتنة واستعادت الحقوقية مكانتها وقيل الحمد لله رب العالمين.
ظلم الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي حيث أجمع فقهاء موريتانيا على كفره وردتة وإلحاده وزندقتة، وخرجت ضده موريتانيا بكاملها، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، في مظاهرات حاشدة كاد الرئيس أن يسير في أولها!
فلما رأيت ذلك تبين لي أن موريتانيا – على كثرة فقهائها- جاهلة بمسألة الردة وماهيتها، فوقفت في وجه القوم الخليليين وعامة الفقهاء الفروعيين، وبينت للرأي العام أن الكتب التي أحرقت غير مقدسة، بل هي مجرد تدوينات سجلت، في أمصار تحولت وأعراف تبدلت، وأن الله تعالى ما تعبدنا بما به الفتوى في تلك الأعصار، ولا ما جرى به العرف في تلك الأمصار، فانشرحت صدور الناس لذلك وانطفأت تلك الفتنة ورجع الفقهاء إلى أنسهم فقالو إنكم أنتم الظالمون.
واليوم بات من واجبي أن أدافع عن القضاة والمحامين، وأذكرهم بقول الله تعالى: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب، إلى قوله تعالى وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب…
وخلاصة تلك القصة أن داود جاءه ملكان في صورة خصمين أو محاميين لأن الملكين كانا في هذه الخصومة أقرب إلى دور المحامي لأنهما جاءا يدليان بحجج غيرهما أمام داود الذي كان يمثل دور القاضي ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق…
فقل أن يحكم بينهم لكنه ما إن سمع حجة المظلوم حتى نطق بالحكم قبل أن يستمع إلى حجة الظَّالِم فانصرف المَلَكُ وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب .
ومن هنا ندرك أنه لا بد للقاضي من سماع حجة المظلوم والظالم معا، ولا بد للمحامين أن يدلوا بحجة هذا وذاك أيضا، فالتقاضي مجموعة أدوار متكاملة، أشبه بحلقة مُسلسل قد يكون بطلها من يمثل فيها دور المجرم.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[إنَّكُم تَختَصِمونَ إليَّ وإنَّما أَنا بشَرٌ فلعلَّ أحدَكُم أن يَكونَ أعَلمَ بحُجَّتِهِ مِن بعضٍ فأقضيَ لَهُ بما أسمعُ وأظنُّهُ صادقًا فمَن قَضيتُ لَهُ بشيءٍ مِن حقِّ صاحبِهِ فإنَّما هيَ قطعةٌ من النَّارِ فليأخُذها أو ليدَعَها].
وبناء على ذلك فإن الحقيقة في التقاضي والخصومات محجوبة عن الناس كلهم، وعليهم أن يدركوا ذلك ويتركوا الأمر للقضاة وحدهم.

أحمدو ولد حبيب الله الملقب المهدي

Exit mobile version