أثرياء موريتانيون يختارون حياة الفقراء (صورة)

يثير أسلوب عيش الأغنياء فضول كثيرين في موريتانيا يبحثون عن تفاصيل حياة الميسورين ويتتبعون تحرّكاتهم وأسفارهم وكيفية جمعهم ثرواتهم. لكنّ تفضيل أثرياء موريتانيين حياة البداوة والبساطة على الرغم من ثرائهم الكبير، من شأنه إثارة فضول أوسع واستغراب شديد، لا سيما في ظل انتشار الظاهرة التي حيّرت خبراء علم الاجتماع في الفترة الأخيرة.
ويفضّل عدد من أغنياء البلاد الحياة المتواضعة في البوادي التي ما زالت تُعدّ عشق الموريتانيين الأكبر، فيما يعيش آخرون في المدن حياتهم بطريقة طبيعية جداً، وشعارهم: “السعادة قرار والمال لا يحققها دائماً”.
يمثّل الأغنياء في موريتانيا نسبة ضئيلة جداً من السكان، وقد حقّق هؤلاء ثروتهم بفضل التجارة والاستثمار في الدول الأفريقية، خصوصاً في مناجم الذهب والماس. وثمّة من جمعوا ثروات طائلة في وقت قصير، فاتّهموا بالكسب غير المشروع من قبل الحكومات أو المنظمات غير الحكومية في بلاد ينتشر فيها الفساد المالي. ويوضح خبراء في علم الاقتصاد أنّ الأغنياء في موريتانيا، بالمعنى المتداول عالمياً للثراء الفاحش، معدودون، في حين أنّ الميسورين موجودون في معظم شرائح المجتمع وفي كلّ المناطق، ومنهم من يساعد في تنمية منطقته ويساهم بأمواله في التبرّع لأعمال الخير ومنهم من يعرض عن ذلك.
في بلاد تجاهد لسدّ الفجوة بين فقرائها وأغنيائها، كثيراً ما يقيم الأخيرون في أحياء الأوّلين في القرى والمدن الموريتانية وحتى في البوادي. بعضهم آثر ترك منزله الفاخر ليسكن في الخيم والأكواخ وخصّص وقته لمساعدة سكان الحيّ. أمّا بعض آخر، بعدما رأى أنّه أدّى رسالته في الحياة، اتخذ قراره بالاستقرار في الصحراء للاستمتاع بهدوئها وسط قطعان الإبل التي يملكها.
يختلف تفسير الموريتانيين لهذه الظاهرة، منهم من يعدّها دليل تواضع وتقرّب من غالبية الشعب الموريتاني التي تعاني في تحصيل قوتها اليومي، ومنهم من يرى إفلاس تلك العوائل سبباً لها أو سيطرة الجشع والبخل عليها.
رجل الأعمال سيدي محمود ولد الطالب أعمر (58 عاماً) من الذين اختاروا الحياة البسيطة في بادية تيرس القريبة من العاصمة نواكشوط. بالنسبة إليه، إنّ نمط الحياة هذا هو اختيار شخصي يقتنع به البعض، فيزهد في الكماليات ورغد العيش ويجتنّب مظاهر الترف على الرغم من أنّه من أصحاب المال، ويختار بساطة العيش والاستمتاع بالحياة البرية في الصحراء حيث المناظر الخلابة والبيئة الأولية للعرب. وبعدما كان يسكن في أرقى أحياء العاصمة نواكشوط، راح يتنقّل في الصحراء، موضحاً لـ “العربي الجديد” أنّ “الإنسان يعيش حيث يشعر بالراحة. لا يمكن للمال أو المركز أن يتحكّما في مكان إقامته وطريقة عيشه”. يضيف أنّ “أسباب اختيار عدد من الأغنياء حياة البداوة يرجع إلى نظرتهم إلى الحياة وزهدهم وتمردهم على ما كانوا يعيشون في السابق”.
ولد الطالب أعمر ليس استثناءً في محيطه، فثمّة أثرياء ورجال الأعمال استقرّوا في الصحراء والواحات المحيطة بالأودية الكبيرة حيث يقيمون مشاريع تنمية حيوانية وزراعية بسيطة. من جهته، يملك قطعان إبل وأغنام، وهي في حدّ ذاتها ثروة. ويعيش ببساطة مع زوجته وعدد قليل من الخدم والرعاة تحت الخيم. وهو يرافق قطعانه بحثا عن الماء والكلأ، ولا يزور العاصمة إلا لماماً من أجل الاطمئنان على أبنائه قبل أن يعود إلى باديته تاركاً العاصمة وصخبها.
من جهته، فضّل التاجر محمد إبراهيم ولد التراد (47 عاماً) الإقامة في حيّ عرفات الشعبي، شرق العاصمة نواكشوط، تاركاً منزله الفخم. فهو يرغب في أن يكون قريباً من الناس ومحاطاً بهم، بالتالي يستقبلهم برحابة صدر ويكرّمهم وفق العادات والتقاليد الصحراوية ويجالسهم في مجلسه الرئيسي المؤلّف من حصائر وأفرشة تقليدية في ظل غياب تام لأجهزة التكييف وأي شكل من أشكال الرفاهية. يخصّص ولد التراد جزءاً من أرباحه في قطاع التجارة للتبرّعات، كذلك يساعد جيرانه وكل من يطرق بابه، فيما يقدّم للشباب تجربته وينصحهم بما يمكّنهم من شقّ طريقهم بعيداً عن الفقر، ويشفي غليل كلّ الفضوليين الذين يتابعون قصص الأثرياء والناجحين. ويقول ولد التراد لـ “العربي الجديد” إنّه يتجنّب تملّك منازل فخمة والبحث عن الكماليات، “على الرغم من أنّ تجارتي التي يديرها ابني وبعض أقاربي تقدّر بملايين الدولارات”. يضيف: “والدي غرس فيّ حبّ التواضع والزهد وعدم الإسراف، لذلك لم أسعَ يوماً إلى امتلاك طائرة خاصة أو عقارات في دول أوروبية”. وهو ما زال يحرص على قيادة سيارته بنفسه والتبضّع من السوق العام والتزام نمط حياة الطبقة الوسطى.

مواقع

Exit mobile version