معالي السيد أحمد أبو الغيظ، الأمين العام لجامعة الدول العربية
معالي السيد رمزان بن عبد الله النعيمي، وزير الاعلام بمملكة البحرين، رئيس الدورة 54 لمجلس وزراء الاعلام العرب،
معالي الدكتور حمزة المصطفى، وزير الاعلام في الجمهورية العربية السورية، رئيس الدورة 55 لمجلس وزراء الاعلام العرب،
أصحاب المعالي الوزراء ورؤساء الوفود،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يشرّفني أن أكون بينكم اليوم، معبّراً عن خالص الشكر لجمهورية مصر العربية الشقيقة على حسن الاستضافة، وللأمانة العامة لجامعة الدول العربية على جهودها المتواصلة في تعزيز العمل الإعلامي العربي المشترك.
إن اجتماعنا اليوم ينعقد في ظرف تتسارع فيه التحولات الإعلامية العالمية وتتعمّق التحديات المرتبطة بالمصداقية وحماية المجتمع وتعزيز حضور الصوت العربي الموحد، الأمر الذي يفرض علينا المزيد من التنسيق وتبادل الخبرات وتكامل الرؤى.
وتؤكد موريتانيا، قيادةً وشعباً، موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، باعتبارها قضيتنا المركزية الأولى، وتدين بشدّة الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتدعم كل الجهود الإعلامية الرامية إلى فضح ممارسات الاحتلال والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفق القوانين والمواثيق الدولية.
أصحاب المعالي،
لقد جعل فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من تعزيز حرية الصحافة وتطوير الإعلام ركناً أصيلاً من مشروعه الوطني. رؤية مستنيرة تقوم على بناء دولة مؤسسات، عادلة في مسارها، حامية لحق المواطن في النفاذ للمعلومة، ومؤمنة بأن الحرية والمهنية والتماسك الاجتماعي هي ركائز لا غنى عنها لبناء مجتمع مستقر ودولة قوية. هذه الرؤية تبنتها حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي، وعملت على تنفيذها وتجسيدها على أرض الواقع، إصلاحات محسوسة ونتائج ملموسة.
السيدات والسادة الحضور
ما إن تسلم فخامته زمام الأمور سنة 2019 حتى بدأت سلسلة إصلاحات عميقة شملت الإطار القانوني والتنظيمي والكادر البشري والبنية التحتية للإعلام. وقد تم تعيين لجنة عليا لإصلاح القطاع، عملت في مسار تشاوري واسع مع الإعلاميين، وتم تنفيذ توصياتها عبر حزمة من الإنجازات النوعية، من أبرزها: مراجعة قانون السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية بما عزز استقلاليتها ووسّع تمثيل الجسم الصحفي، وإصدار نص قانوني ينظم الخدمة الإلكترونية، ومراجعة قانون الاتصال السمعي البصري بما يمهد للتحول الرقمي، وإصلاح الإطار المؤسسي للدعم العمومي للصحافة الخاصة ، ومراجعة قانون الإشهار، وإصدار قانون الصحفي المهني ومرسوم بطاقة الصحفي لتنظيم المهنة وضبط حقوق وواجبات العاملين فيها.
كما تم تخفيض الضرائب على العاملين في الإعلام العمومي، ومضاعفة رواتبهم بنسبة وصلت إلى 184%، ومضاعفة دعم صندوق الصحافة لأول مرة إلى 400 مليون أوقية قديمة، وتوج هذا المسار بتسوية وضعية العمال المتعاونين بجميع مؤسسات الإعلام العمومي. وتم تعزيز الحضور الإعلامي الوطني من خلال افتتاح العشرات من المكاتب الجهوية والمحلية للإذاعة والتلفزيون والوكالة الموريتانية للأنباء، والرفع من أداء المنصّات الرقمية الحكومية وتحديث آليات الاتصال العمومي، والترخيص لعدد من القنوات التلفزيونية الخصوصية.
وتتويجاً لهذه الإصلاحات، ووفقاً لما بيّنته المؤشرات الدولية، حازت موريتانيا المرتبة الأولى عربياً والخمسين عالمياً في تصنيف حرية الصحافة لسنتين متتاليتين، كما انضمت بلادنا للمبادرة العالمية لحرية الإعلام؛ وهي مكاسب تعكس التزام الدولة العميق بحرية الصحافة والمهنية وحماية الصحفيين.
وفي إطار تعزيز البنى الداعمة لمنظومتنا الإعلامية، يجري العمل على تشييد مركب إعلامي نموذجي يشمل داراً للصحافة ومراكز للتموين والإنتاج السمعي البصري، على مساحة تسعة هكتارات قرب قصر المؤتمرات المرابطون. كما تم تكريس يوم وطني للتنوع الثقافي، وإطلاق منصات وإذاعات تبث باللغات الوطنية، وصدور القانون التوجيهي للتعليم الذي رسّخ حضور هذه اللغات ضمن الهوية الوطنية، إضافة إلى تصنيف المحظرة وملحمة صمب غالاديو على قائمة التراث العالمي، واعتماد اللغة السونوكية لغة عابرة للقارات.
إن هذه الإنجازات — على تنوعها وعمقها — لا تجعلنا نغفل حجم التحديات التي تنتظرنا، لكنها تمنحنا الثقة في قدرتنا على تطوير إعلام مهني، وطني، متنوع، ينهض بمهامه في خدمة الديمقراطية وتعزيز التماسك الاجتماعي. ونعمل اليوم على استكمال هيكلة البنية التحتية الإعلامية في الداخل، وإعداد الاستراتيجية الوطنية للاتصال، وتطوير الإعلام بلغاتنا الوطنية، وترسيخ استقلالية المؤسسات الإعلامية، ورفع كفاءة صحفيينا تكويناً وتمهيـناً وتمكيناً.
أصحاب المعالي والسعادة
يسعدني في هذا السياق أن أعبر أمام جمعكم الموقر عن بالغ الامتنان لانتخاب موريتانيا عضواً في المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب للدورة القادمة. إن هذه الثقة التي منحتموها لبلادنا تشكل تقديراً لمسار الإصلاح الذي تعيشه موريتانيا، كما تشكل مسؤولية سنضطلع بها بكل التزام، ليكون حضور بلادنا داخل المكتب التنفيذي رافداً لتعزيز العمل العربي المشترك، وحاملاً لمبادرات بناءة تسهم في تطوير منظومتنا الإعلامية.
السيدات والسادة
إن جدول أعمال هذه الدورة ثريًا بالقضايا المحورية التي تشكّل أولويات العمل الإعلامي العربي المشترك في المرحلة الراهنة؛ إذ يتناول دعم القضية الفلسطينية، وتحديث ميثاق الشرف الإعلامي العربي، ومتابعة خطة التحرك الإعلامي في الخارج، إلى جانب تطوير الإعلام الإلكتروني، وتعزيز دور الإعلام في مواجهة الإرهاب.
كما يشمل من بين أمور أخرى بحث الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030، وتطوير قدرات الإعلاميين العرب وتثمين التميز الإعلامي العربي، وترسيخ التربية الإعلامية في المناهج الدراسية. ويستعرض كذلك اختيار عاصمة الإعلام العربي، وتوظيف التقنيات الحديثة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى التعاون العربي–الصيني في المجال الإعلامي.
كما سنناقش وضع استراتيجية عربية موحَّدة للتعامل مع شركات الإعلام الدولية، بما يضمن صون سيادتنا المعلوماتية وحماية أمننا المجتمعي. وهو ما يتطلّب توحيد الجهود والمواقف، وتعزيز آليات التنسيق البيني، والارتقاء بتشريعاتنا المشتركة، بما يكفل إقامة علاقة متوازنة تحفظ حقوق شعوبنا وتحمي استقرارنا وتدعم مصالحنا الاستراتيجية في الفضاء الرقمي.
وتؤكد موريتانيا التزامها بدعم كل ما من شأنه تعزيز التنسيق بين الدول العربية، وتطوير خطط التحرك الإعلامي في الخارج، ومواجهة خطاب الكراهية والتطرف، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي بما يخدم المهنية ويحصّن المحتوى، وتوسيع برامج التكوين والتبادل، وتعزيز حضور الإعلام العربي في المنصّات الدولية الكبرى.
وختاماً، فإن ما يجمع دولنا من روابط ومصالح مشتركة يجعل من تطوير إعلام عربي مهني ومسؤول ضرورة استراتيجية لمستقبل منطقتنا. نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير بلداننا وشعوبنا.
اشكركم والسلام عليكم ورحمة الله.
