رسالة من طليطلة إلى قمة الدوحة.. درس تاريخي استراتيجي / عبد الله ولد بونا

تنافس ملوك الطوائف وسقوط طليطلة، من التشرذم إلى معركة الزلاقة

عاشت الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية بقرطبة سنة 422هـ/1031م واحدة من أخطر مراحل تاريخها، وهي مرحلة ملوك الطوائف.

فبدل أن تكون دولة موحَّدة تقف في وجه التحديات الخارجية، تمزقت إلى دويلات صغيرة تتنافس على النفوذ المحلي، وتستعين بالعدو المشترك ضد بعضها بعضًا.

هذا التنافس هو الذي فتح الباب أمام ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون ليصبح سيد الموقف في الأندلس، وليضع المسلمين في حالة استنزاف دائم انتهت بسقوط طليطلة سنة 478هـ/1085م، قبل أن يتدخل المرابطون ليوقفوا الانهيار بمعركة الزلاقة سنة 479هـ/1086م.

تنافس ملوك الطوائف على التحالف مع ألفونسو

منذ منتصف القرن الخامس الهجري، برز ألفونسو السادس كأقوى ملوك الشمال المسيحي. وقد أدرك ضعف أمراء الطوائف وتناحرهم، فحوّل نفسه إلى “حَكَم” بينهم.

كل أمير كان يسعى إلى استرضائه بالمال والجزية ليحتمي به من جاره المسلم.

المعتمد بن عباد، ملك إشبيلية، دفع مبالغ هائلة لألفونسو ليستعين به ضد غرناطة وبلنسية، حتى سلّمه بعض الحصون الحدودية.

بنو ذي النون في طليطلة كانوا الأكثر خضوعًا، فأرسلوا أبناءهم رهائن وأغرقوا بيت المال بالجزية، حتى صاروا شبه تابعين لقشتالة.

بنو زيري في غرناطة وبنو هود في سرقسطة وبنو الأفطس في بطليوس، لم يخرجوا عن هذه القاعدة، إذ تنافسوا جميعًا على كسب ود ألفونسو، فصار يتعامل معهم كما يتعامل السيد مع رعاياه.

ألفونسو كان يستثمر هذا التنافس بذكاء ؛فإذا أراد المزيد من المال هدد أميرًا بدعم جاره، فيهرع كلاهما إلى دفع ما يطلب. وقد لخّص الموقف بقوله: “كيف أهاب قومًا يرسلون إليّ ذهبهم ليقاتلوا بعضهم بعضًا؟”.

سقوط طليطلة (478هـ/1085م)

كانت طليطلة من أعظم مدن الأندلس، لكنها سقطت نتيجة سياسات ملوكها

الارتهان المبكر لألفونسو منذ عهد المأمون بن ذي النون.

الانقسامات الداخلية بين القادر بن ذي النون ومعارضيه.

الجزية المرهقة التي أنهكت اقتصاد المدينة.

غياب الدعم من بقية الطوائف، لانشغالهم بخلافاتهم.

وفي سنة 478هـ/1085م سلّم القادر مدينة طليطلة لألفونسو، فدخلها الأخير دخول الفاتحين، وأصبحت قاعدة متقدمة لقشتالة في قلب الأندلس.

كان ذلك تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، إذ منح المسيحيين موطئ قدم لم يكونوا يحلمون به من قبل.

ما بعد طليطلة

سقوط طليطلة أثار ذعرًا عامًا في الأندلس. فقد فتح الطريق أمام قشتالة للتوسع جنوبًا، حتى وصلت جيوش ألفونسو إلى ضواحي إشبيلية.

عندها أدرك المعتمد بن عباد أن استمرار دفع الجزية لم يعد كافيًا، وأن الأمر تحول من استنزاف مالي إلى تهديد وجودي. وهنا قال عبارته الشهيرة: “لأن أرعى الجمال عند يوسف بن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو”، فاتخذ قرارًا تاريخيًا بالاستنجاد بالمرابطين.

تدخل المرابطين ومعركة الزلاقة (479هـ/1086م)

استجاب الملك يوسف بن تاشفين، ملك المرابطين، للنداء، فعبر البحر إلى الأندلس سنة 479هـ/1086م.

التقى جيشه مع جيوش الطوائف بجيش ألفونسو في معركة الزلاقة قرب بطليوس يوم 12 رجب 479هـ (23 أكتوبر 1086م).
كانت المعركة فاصلة
انهزم ألفونسو هزيمة ساحقة، وجُرح وفرّ بأعجوبة. توقفت موجة التوسع المسيحي، وارتفعت معنويات المسلمين.

لكن يوسف بن تاشفين أدرك أن ملوك الطوائف عاجزون عن حماية الأندلس، فبدأ تدريجيًا في عزلهم وضم ممالكهم إلى دولته، لتعود الأندلس إلى وحدة سياسية وعسكرية مكّنتها من الصمود أمام قشتالة لعدة عقود.

إن سقوط طليطلة لم يكن مجرد حدث عسكري، بل كان نتيجة حتمية لسياسات التنافس على التحالف مع العدو. لقد استنزف ملوك الطوائف مواردهم في دفع الجزية بدل الاستثمار في بناء القوة، فصار ألفونسو هو المستفيد الوحيد.

ولم يوقف الانهيار إلا تدخل قوة خارجية موحَّدة –المرابطون– الذين فهموا أن بقاء الأندلس يحتاج إلى وحدة القرار والسيف، لا إلى ترف المساومات السياسية.

فأيكم هو أمير طليطلة ؟
وأيكم هو أمير لإمارة ما من إمارات دفع الجزية لترامب، ألفونسو عصرنا
وأيكم سيستجند بالمرابطين؟
وهل من مرابطين غير المرابطين بثغور الأقصى وعسقلان؟
وأنتم تحاصرونهم مع ألفونسو وتجوعونهم وتبيدونهم معه!

هل تتوقعون نتيجة غير السقوط المدوي واحدا واحدا؟
هل ستستوعبون الدرس؟
أم أنكم ستظلون مصدقين لكذب ومكر وخداع ألفونسو البيت الأبيض ، الذي يغري بكم كلبا من كلابه في فلسطين السليبة اسمه نتنياهو؟

Exit mobile version