رئيس حزب الإصلاح يقدم رؤية سياسية وطنية حول “الوثيقة المقدمة من UFP و RFD”

بسم الله الرحمن الرحيم

النائب البرلماني والمحامي، الاستاذ محمد ولد طالبنا، رئيس حزب الإصلاح..
………………………………………..

رؤية سياسية وطنية حول:
“الوثيقة المقدمة من UFP و RFD”

بعد تأمل وإعادة قراءة متأنية لمضامين الملحق المشفوع بالوثيقة، بنظرة واعية وموضوعية لما يحمله من إيحاءات سياسية وفكرية، خلصتُ إلى أن المقترح يُنذر في مؤداه المتوخى منه بمخاطر جمة تهدد مرتكزات (الثابت الوطني) وتفتح باب الاحتمالات أمام المتغير المجهول، إيذانا بانتكاسة تاريخية للمشروع الوطني…لذاك نرى ما يلي:

أولا – إن شركاء المنظومة السياسية في البلد هم ( مجتمعون) من لهم كامل الأحقية في الإشراك في صياغة البنية القانونية ذات الصلة بالممارسة الانتخابية، باعتبار هذه المنظومة هي المستفيد المفترض من المعالجة والاصلاح، وبقدر استفادتها المتوخاة نظريا، تكون سواسية في الاشراك عمليا، وعليه يكون اي انفراد بدراسة النظام الانتخابي مخالفا لمقاصد النهج الديمقراطي، بل وتهديدا للأمن القومي.

ثانيا – إن إعادة البحث في ملفات حقوق الانسان في راهن الحال، ليس إلا محاولة لإحياء أزمة وطنية نجمت عن وضع سياسي سابق ومتجاوز، لا يخدم اجتراره اليوم غير التحريض السياسي لواقع التعدد العرقي، والتعريض بجيشنا الوطني الشريف والاستهتار بتضحياته، وتهديد السلم الأهلي، والإضرار بالوحدة الوطنية.
ونسجل بهذا الصدد :
1 – رفض تسييس القضية المعنونة بالارث الإنساني.
2 – إخراج القضية من دائرة التعاطي السياسي، بعيدا عن الاحزاب والمنظمات غير الحكومية والقوى الأجنبية .
3 – تثمين الخطوات المقام بها في المراحل السابقة، (قانون العفو، التسويات المباشرة…).
4 – حصر الطرفية بين طرفي الشأن (الضحايا او ورثتهم ، والدولة).

ثالثا – إن أسوأ ما في “الوثيقة المقترحة” هو خطورتها على الهوية الحضارية للمجتمع، فالنزعة إلى تعدد اللغات الرسمية إنما هي محاولة لتمييع المقوم الثقافي، بما يعني الحيلولة دون ائتلاف أبناء الأمة في تصور موحد للهوية وانسجام فكري في الإنتماء.
إنه خلاف المألوف عالميا، فالبلد – أيا كان- لا يحتمل تعدد الغات الرسمية، فوحدة اللغة الرسمية ضرورة تلازمية مع الهوية الواحدة ، والعلم الواحد، والشعار الواحد.
ثم إن اصحاب الدعوة إلى ترسيم اللهجات الوطنية(الإفريقية) يدركون جيدا أن دعوتهم تلك نشاز على الواقع القانوني والدستوري لدى دول الجوار المعنية -خلافا لنا- بالإشكال الثقافي وحاجات الترسيم.
وحتى لا نضاعف من عبء الإشكال اللغوي، نسترعي الإنتباه إلى أن وجود اللغة الفرنسية (كلغة رسمية واقعا لا قانونا) كان له الأثر السلبي على وحدة المجتمع وقطع أداة الإتصال بين المكون الاجتماعي .. فما بالكم لو زدنا من تعدد الترسيم اللغوي..؟؟

تلك -إذن- فكرة ستتحطم على صخرة الواقع، في مواجهة القواعد العامة للسانيات والمناهج البيداغوجية.
وعلى صعيد آخر تعتبر هذه الجزئية شطبا على سجل نضالي مشرف من أجل الهوية، وتعطيلا لمقتضى دستور 20 يوليو1991 الذي طالما شوشت عليه نزعات التشبث باللغة الفرنسية.
إنه من الجلي التناقض بين المنطق والسلوك لدى صانعي ( الوثيقة المقترحة) فعلى الرغم من تشوقهم للديمقراطية فإنهم يضنون على 85% من المكون الاجتماعي بحقه الحضاري، ويحرمون المكون الزنجي من التشبث بسنة أسلافه في الاعتزاز باللغة العربية والتراث الإسلامي.. وأكثر من ذلك يكون المقترح جُرما في حق المكونين معا ونسفا للناظم المشترك بينهما.

رابعا – إن الاهتمام بالقضاء على الآثار التاريخية لظاهرة الاسترقاق لا خلاف عليه، بل هو مسلمة إجماعية، بيد أن التجربة أثبتت أن النصوص الزجرية واختلاق الآليات لا تشكل الحل الأمثل.
وتنطلق رؤيتنا في حزب الإصلاح للمسألة من الاعتراف مبدئيا بالحيف التاريخي الواقع على أخوتنا العرب السمر (الحراطين)، ومن ضرورة انتهاج سياسة اجتماعية تكفل القضاء على الفوارق الناجمة عن الظاهرة، حسب الآتي:
1 – تحقيق المساواة مع اقتضاء تمييز إيجابي لصالح المعنيين، عبر منح رخص الامتياز التي تمنحها الدولة في المجلات الحيوية ( المعادن، الصيد، العقارات، البنوك، التجارة ؛ الصناعة…الخ) من اجل خلق طبقة وسطى عريضة من العرب السمر (الحراطين).
2 – إعادة النظر في الوضع العقاري بما يتلائم مع الحق التاريخي لهذه الفئة، مراعاة لأهداف الإصلاح المتضمن في الأمر القانوني 127/ 1983. الذي ينهي الإقطاع العقاري ، والملكية الجماعية للقبيلة، وبدلا من ذلك تتم الاستغاضة بالتفريد الخاص للأرض المحياة، وبملكية الدولة للأرض الموات.
3 – تفعيل البعد الاجتماعي للمدرسة الجمهورية وفق المفهوم الوطني الشمولي، في وحدة الطاولة المدرسية بين المواطنين ، وتقربها من ضحايا الإسترقاق بالتعريب والكفالات …

تلك هي النقاط الأربع الأخطر (البنود 4،3،2،1 من ملحق الوثيقة المقترحة) ، و التي لم نطلع عليها رسميا ، لتشبث معديها بالتستر عليها لإدراكهم لما تحويه من الباطل والجرم والإثم ، فالمستور غالبا يكون إثما، كما في المنثور ( فالإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) ولذا نرى أن ما تحيكه هذه النقاط من ملحق الوثيقة في نفوس اصحابها يجب -من المنظور الوطني- تصنيفه في عداد المساس الخطير بالثوابت الوطنية وبالمقومات المجتمعية لكيان الدولة.
أما باقي مقترحات الوثيقة فليس إلا اقتباسا من المبادئ الدستورية اومن مرامي البرنامج الإصلاحي الطموح لفخامة رئيس الجمهورية، والذي نرجو له المضي فيه تفكيرا وتنفيذا ومتابعة.. دون الحاجة إلى مباركة ممن هم في آخر القافلة…للأسف.
وإن كنا لندرك جيدا طبيعة الباعث الحقيقي لأصحاب وثيقة المقترح، الذي لا يعدو كونه بحثا عن قوة قاهرة اومدد صناعي لإلحاقهم بالمركب السياسي الذي تركهم على الأثر ، بعد معاناة طويلة من المراوحة اليائسة في تسويق هذه البضاعة المزجاة …

لذلك فإننا على ثقة بأن يكون فخامة رئيس الجمهورية يعي جيدا صورية الوثيقة، والغايات التكتيكية لأصحابها.
ولا يفوتنا التأكيد على الاستخلاصات التالية:

أولا: عدم مراعاة (الوثيقة) للتطورات الحاصلة على مسار التحول السياسي والاجتماعي في البلد، بعد أكثر من ثلاثين سنة على دستور 1991.

ثانيا: تجاهل (الوثيقة) للظرف الإقليمي المحتدم بالصراعات، وما يشهده من متغيرات استقطبت اهتمام قوى دولية كبرى، على نحو لم تعرفة القارة الأفريقية من قبلُ، والتي أصبح جيلها الجديد يتطلع إلى استئصال ديمقراطية ( لابول) ونظام الحكامة والوصاية الفرنسية الرافضة للسيادة والهوية الوطنية.

ثالثا: النزعة الإقصائية لمقدمي الوثيقة، بدلالة القفز على واقع الخريطة السياسية، بالعزوف عن إشراك باقي الأحزاب المعارضة.

رابعا: المخاطرة بالمآلات غير المحسوبة، والرعونة في تقدير احتمالات الموقف الوطني، من خلال الإثارات المتعمدة حول قضايا خطيرة من شأنها المساس بوحدة الهوية، والانسجام الاجتماعي، وهيبة المؤسسة العسكرية الشريفة…

……..
والسلام على من اتبع الهدى.

Exit mobile version