الخطابات

يعرف الجميع أو يكاد يعلم خطاب المنهجية الذي يشكل جوهر تفكير ديكارت، والخطاب الشهير الذي وجهه الجنرال ديغول من لندن، طالبا فيه من الشعب الفرنسي عدم الاستلام ومستنهضا همم الفرنسيين لمقاومة الاحتلال الألماني، وخطاب جون فيتزجرالد كندي في برلين في معمعان الحرب الباردة، وخطاب ميتران في لابول، و الذي شكل نقطة انطلاق المسارات الديمقراطية في أفريقيا، وقريبا منا، نتذكر الخطاب الذي سرده ولد الطايع في أبريل 1986 بمدينة النعمة، وكان باللغة الفرنسية!، حول مخاطر الأمية أمام المواطنين الذين لم يفهموا منه ولو كلمة واحدة. وها هو الآن خطاب الطينطان الذي لا يمكن وصفه و الذي وجهه وزيرنا الأول إلى الشرق يعظ فيه بكلمة”التقوى” ويدافع عن التعديلات الدستورية.

ففي منطقة معروفة عموما بالتقبل الكبير للخطابات الرسمية ولكن منتخبينها و وجهاءها بدأوا يظهرون علامات التذمر أمام نظام ليس مشهورا بالكرم، هيهات. وليس من قبيل الصدفة أن قادة التمرد في مجلس الشيوخ هم، في الواقع، منتخبون من الشرق الكبير [موريتانيا الأعماق]. ولذا فإن ولد عبد العزيز الذي يرى النار على وشك الانتشار قد أرسل وزيره الأول المصاب بهوس إشعال الحرائق من أجل القيام بدور رجل الاطفاء وإخماد النيران.

ولكن بدلا من محاولة الحد من الخلافات وتوسيع قاعدته، فإن إزنوگود الذي يريد أن يصبح “وزيرا” محل الوزير، قد بقي وفياً لسلوكه. لم يزر سوى المدن الأربع التي يعتقد أنه يتوفر فيها على ما يشبه القاعدة الشعبية ليلقي فيها خطابا مختلفا بشكل واضح عن خطاب معلمه. “لن يغادر هذا النظام السلطة في عام 2019 وعندنا برنامج سوف نستمر في تطبيقه بعد هذاالتاريخ. فليعلم الجميع بذلك!” قالها بلهجة شديدة، منتقلا من موضوع إلى آخر.

لقد أثار شريط الفيديو الذي صور الخطاب ضجة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي عدة أيام، مما تسبب في استياء شديد لدى المعارضة التي ترى في ذلك رغبة النظام الذي يحاول بكل الوسائل الخلود في السلطة.

وفي الواقع، يمكن وصف هذا التصريح بكل شيء سوى البراءة. فلا أحد، وحتى الوزير الأول، يستطيع أن يغامر بخرجة بهذه الدرجة من الخطورة، إذا لم يكن قد حصل على الضوء الأخضر. وبالتالي يمكن طرح عدد من الأسئلة.

هل شعر ولد عبد العزيز، الذي قال في وقت سابق قريب إنه لن يترشح في عام 2019، بأن قاعدته بدأت تتفكك ؟

هل يخشى، حسب وتيرة سير الأمور، أن يصبح عما قريب “مكشوفا غير محمي”؟

هل يعتقد أن مثل هذه المعركة الشرفية الأخيرة ستؤثر على الأغلبية لتقول في نهاية المطاف إنها لم تخسر أي شيء؟

أم هل يظن حقا أنه بعد الإصلاح الدستوري و إلغاء مجلس الشيوخ المتمرد، يستطيع أن يفتح، وفي مأمن من العقاب، مواد الدستور المتعلقة بولايات الرئيس؟

هل سيحاول كل شيء في نهاية المطاف مع خطر إثارة حالة من عدم الاستقرار قد تقضي عليه هو نفسه ؟

من الطبيعي أن نظاما يحكم منذ عام 1978 يفعل كل شيء لكيلا يزاح من السلطة التي تعود على حلاوتها وملاذتها، وأن يعمل كل ما في وسعه لوقف عجلة التاريخ، وأن يتمسك بكل ما أوتي من قوة بالقصر الفخم لدولة امتصها حتى النخاع. ولكن هنالك معطى يغيب عن أذهانهم: لم يعد الشعب الموريتاني في عام 2017 كما كان بالأمس، فبالأحرى في أول أمس. لقد أسقي و تجرع من جديد حتى الثمالة ومن كأس يبدو أن إزنوگود [Iznogoud] الوطني هو طعمها أو على الأقل تذوقها الأولي.

أحمد ولد الشيخ

Exit mobile version