سحقا للسياسة .. وتبا للتسيس

أصبحت السياسة في موريتانيا وجهة للجميع .. المرأة تقصدها و الشاب يخطبها والعجوز يتخبط في متاهاتها ، العالم ينهل ويعب من أنهارها ، والجاهل في بيدائها يتمرغ ويلهوا ، التاجر في أسواقها يتجول ، والموظف في مرابعها يتخير ، العامل فيها يعمل والعاطل يأمل ، المنمي ينتجع في فيافيها والمزارع يبذر في تخومها ، كل موريتاني إﻻ من رحم الرب يعشق السياسة ويهواها ، هي الحبيبة والهوى ، هي المستقبل والحياة ، هي الدنيا واﻷمل ،
السياسة بالنسبة لهم كنز من العجائب سيمتحون منها اﻷلبان والعسل ، ويقطفون الورد والزهور ، وسيلبسون منها الخيش والقصب ، ويأكلون ويشربون ، منازلهم من طوبها وحجرها ، ومفارشهم من قطافها ، وجيادهم من عطائها ، حينما يهب نسيمها و تمتﻷ اﻷجواء بهوائها الندي تنتعش اﻵمال التي كانت خائبة ، وتنبعث من الركام نفوس محطمة ، تعلوا البشاشة صفحات الوجوه البائسة ، عيد كالربيع في أزهاره ، يختال الناس في الحلل يمرحون ويلعبون ، ها قد أقبل موسم سياسي جديد ، شراعه في أفق البحر يعلوا ويقترب ، في جوف قاربه زيت وحليب وأغطية في هذا الشتاء القارس ، أدوية
ومﻻبس ونقود ، وظائف ومراعي وزرع محصود ، العطر والنساء واللهو و السمر ، وعود ووعود ووعود ..،
طش ورش بالكاد ﻻ يبلل الحلق الجاف ، ويختفي القارب بالسراب والدجل والخياﻻت ، وتشرق شمس حارقة تفضح الظﻻم وتهزمه ، التخلف يضرب بخيله ورجله كل مجال ، واﻷمراض تنهش اﻷجساد ، ها هو الواقع يشرق و يتجلى ، أبنية مهترئة وشوارع محطمة ، وخدمات حيوية متعطلة ، بطالة وجوع و خواء ، تمثيل وكذب وضحك على الأذقان ، روائح الغبن والفحش والفساد تنتشر وتتطاير ، تنتهي ملحمة الجنون ويختفي القارب خلف جبال من اﻷمواج العاتية ، تزول اﻷغشية و تتمزق أغطية العيون ، ويصوب الضياع بصره الحاد في عينيك ، يجلدك الندم و يسحقك اﻷسف ،
تتراءى الحقيقة ساطعة في السماء ، ينتهي السكر و يزول الخبل ، تبدوا السياسة على حقيقتها نتنة شمطاء ، تشمئز وتتقيئ كلما مدت يدها اليك ، اسنانها كالغضا المتفحم ، أبوها عرقوب وخالها مادر ، و يتخرج منها الخونة والكذابون والمفسدون واهل الحقد الكراهية والنفاق ، وينسب لبنيها الجهل والعمى والعياء وكل من يحسن القول ويسيئ اﻷفعال ،
إن السياسة في واقعنا وعرفنا هي إلهاء الناس عن مشاكلهم الجوهرية ، وهي الغش والخديعة ، وهي طحن المواطن ، وهي العمل بكل وسيلة على أن يظل الحال سيئا ، وأن تتقبل اﻷفكار قلب الأشياء ليكون السيئ حسنا مقبوﻻ وانجازا عبقريا غير مسبوق ، وليكون الشمال جنوبا والجنوب شماﻻ ، والكفؤ عاجزا والعاجز البليد كفؤا ، والمصلح مفسدا والمفسد مصلحا ، والعالم جاهﻻ والجاهل عالما ، القدرة على التبرير واﻻقناع واللعب المجنون بأفكار الناس هو السياسة ، والحدأة أوزرقاء اليمامة التي ترى المعدوم عند الناس مستغلة مجرد اﻻعتراف بحدة بصرها ممارسة سياسية عالية ،
والسياسي في منكبنا عاصفة هوجاء من التحايل والبهتان واﻷكاذيب يدسها في خطاب ممنطق ولسان وبيان ، و عﻻقة ظاهره بحقيقته كالخرقة البالية في جوف كيس من الذهب ، إنه بحق ذلك المكر المتهادي والخبث الصائل على كل فضل ووضيئ .

Exit mobile version